القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنّهُ كَانَ صِدّيقاً نّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : واذكر يا محمد في كتابنا هذا إدريس إنّهُ كانَ صِدّيقا لا يقول الكذب ، نَبِيّانوحي إليه من أمرنا ما نشاء وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا ذكر أن الله رفعه وهو حيّ إلى السماء الرابعة ، فذلك معنى قوله : وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا يعني به إلى مكان ذي علوّ وارتفاع . وقال بعضهم : رُفع إلى السماء السادسة . وقال آخرون : الرابعة . ذكر الرواية بذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يساف ، قال : سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله تعالى لإدريس وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا قال كعب : أما إدريس ، فإن الله أوحى إليه : إني رافع لك كلّ يوم مثل عمل جميع بني آدم ، فأحبّ أن تزداد عملاً ، فأتاه خليل له من الملائكة ، فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا ، فكلمْ لي ملك الموت ، فليؤخرني حتى أزداد عملاً ، فحمله بين جناحيه ، ثم صعد به إلى السماء فلما كان في السماء الرابعة ، تلقاهم ملك الموت منحدرا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ فقال : هوذا على ظهري ، قال ملك الموت : فالعجب بعثت أقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك ، فذلك قول الله تبارك وتعالى : وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا قال : إدريس رُفع فلم يمت ، كما رُفع عيسى .
حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : ولم يمت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا قال : رفع إلى السماء السادسة ، فمات فيها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَرَفَعْناهُ مكانا عليا إدريس أدركه الموت في السماء السادسة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ورفعناه مكانا عليا قال : السماء الرابعة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ورفعناه مكانا عليا قال : في السماء الرابعة .
حدثنا عليّ بن سهيل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازي » قال : لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم صعد به جبريل إلى السماء الرابعة ، فاستفتح فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل ، قالوا : ومن معه ؟ قال : محمد ، قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيء جاء ، قال : فدخل فإذا هو برجل ، قال : هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله ورفعناه مكانا عليا قال : حدثنا أنس بن مالك أن نبيّ الله حدث أنه لما عرج به إلى السماء قال : أتيت على إدريس في السماء الرابعة .
{ واذكر في الكتاب إدريس } وهو سبط شيث وجد أبي نوح عليهم السلام ، واسمه أخنوخ واشتقاق إدريس من الدرس يرده منع صرفه ، نعم لا يبعد أن يكون معناه في تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة درسه ، إذ روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة ، وأنه أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب . { إنه كان صديقا نبيا } .
إدريس : اسم جعل علماً على جد أبي نوح ، وهو المسمى في التوراة ( أُخنُوخ ) . فنوح هو ابن لامك بن متُوشالح بن أُخنوخ ، فلعل اسمه عند نسّابي العرب إدريس ، أو أن القرآن سماه بذلك اسماً مشتقاً من الدرس لما سيأتي قريباً . واسمه ( هرمس ) عند اليونان ، ويُزعم أنه كذلك يسمى عند المصريين القدماء ، والصحيح أن اسمه عند المصريين ( تُوت ) أو ( تحُوتي ) أو ( تهوتي ) لهجات في النطق باسمه .
وذكر ابن العِبْري في « تاريخه » : « أن إدريس كان يلقب عند قدماء اليونان ( طريسمجيسطيس ) ، ومعناه بلسانهم ثلاثي التعليم ، لأنه كان يصف الله تعالى بثلاث صفات ذاتية وهي الوجود والحكمة والحياة » اهـ .
ولا يخفى قرب الحروف الأولى في هذا الاسم من حروف إدريس ، فلعل العرب اختصروا الاسم لطوله فاقتصروا على أوله مع تغيير .
وكان إدريس نبيئاً ، ففي الإصحاح الخامس من سفر التكوين « وسار أُخنوخ مع الله » . قيل : هو أول من وضع للبشر عمارة المدن ، وقواعد العلم ، وقواعد التربية ، وأول من وضع الخط ، وعلّم الحساب بالنجوم وقواعدَ سير الكواكب ، وتركيب البسائط بالنّار فلذلك كان علم الكيمياء ينسب إليه ، وأوّل من علم الناس الخياطة . فكان هو مبدأ من وضع العلوم ، والحضارة ، والنظم العقليّة .
فوجه تسميته في القرآن بإدريس أنّه اشتق له اسم من الفرس على وزن مناسب للأعلام العجميّة ، فلذلك منع من الصرف مع كون حروفه من مادة عربية ، كما منع إبليس من الصرف ، وكما منع طالوت من الصرف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.