في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (169)

148

فليس من شأن الله - سبحانه - أن يغفر لأمثال هؤلاء ، بعدما ضلوا ضلالا بعيدا ، وقطعوا على أنفسهم كل طريق للمغفرة . . وليس من شأن الله - سبحانه - أن يهديهم طريقا إلا طريق جهنم . وقد قطعوا على أنفسهم كذلك كل طريق للهدى ، وأوصدوا في وجوه أنفسهم كل طريق إلا طريق جهنم ، فأبعدوا فيه وأوغلوا ، واستحقوا الخلود المؤبد فيها بإبعادهم في الضلال والكفر والصد والظلم ، بحيث لا يرجى لهم من هذا الإبعاد مآب !

( وكان ذلك على الله يسيرًا ) . .

فهو القاهر فوق عباده . وليس بينه وبين أحد من العباد صهر ولا نسب ، يجعل أخذهم بهذا الجزاء العادل المستحق عليهم عسيرا . وليس لأحد من عباده قوة ولا حيلة تجعل أخذه عسيرا على الله أيضا . .

ولقد كان اليهود - كما كان النصارى - يقولون : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) . وكانوا يقولون : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) . وكانوا يقولون : نحن شعب الله المختار . . فجاء القرآن لينفي هذا كله . ويضعهم في موضعهم . . عبادا من العباد . . إن أحسنوا أثيبوا ، وإن أساءوا - ولم يستغفروا ويتوبوا - عذبوا . . ( وكان ذلك على الله يسيرًا )

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (169)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاّ طَرِيقَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إنّ الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكفروا بالله بجحود ذلك وظلموا بمقامهم على الكفر ، على علم منهم بظلمهم عباد الله ، وحسدا للعرب ، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ يعني : لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها ، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها . وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقا يقول : ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدى هؤلاء الذين كفروا وظلموا ، الذين وصفنا صفتهم ، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله ، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة ، ولكنه يخذلهم عن ذلك ، حتى يسلكوا طريق جهنم . وإنما كني بذكر الطريق عن الدين وإنما معنى الكلام : لم يكن الله ليوفقهم للإسلام ، ولكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم ، وهو الكفر ، يعني : حتى يكفروا بالله ورسله ، فيدخلوا جهنم خالدين فيها أبدا ، يقول : مقيمين فيها أبدا . وكانَ ذَلِكَ على اللّهِ يَسِيرا يقول : وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم على الله يسيرا ، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه ، ولا له أحد يمنعه منه ، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به ، من ذلك ، وكان ذلك على الله يسيرا ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (169)

{ إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا } لجرى حكمه السابق ووعده المحتوم على أن من مات على كفره فهو خالد في النار وخالدين حال مقدرة . { وكان ذلك على الله يسيرا } لا يصعب عليه ولا يستعظمه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (169)

قوله : { إلا طريق جهنم } استثناء متّصل إن كان الطريق الذي نفي هديهم إليه الطريقَ الحقيقي ، ومنقطع إن أريد بالطريق الأوّل الهدى . وفي هذا الاستثناء تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه : لأنّ الكلام مسوق للإنذار ، والاستثناء فيه رائحة إطماع ، ثُمّ إذا سمع المستثنى تبيّن أنّه من قبيل الإنذار . وفيه تهكّم لأنّه استثنى من الطريق المعمول { لِيَهْدِيهم } ، وليس الإقحام بهم في طريق جهنّم بهدي لأنّ الهدي هو إرشاد الضالّ إلى المكان المحبوب .

ولذلك عقّبه بقوله : { وكان ذلك } أي الإقحام بهم في طريق النّار على الله يسيراً إذ لا يعجزه شيء ، وإذ هم عبيده يصرفهم إلى حيث يشاء .