في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (28)

ويعقب على هذه اللمسة العميقة الأثر بنفس التعقيب . فيعد استقرار هذه الحقيقة . حقيقة الفناء لكل من عليها ، وبقاء الوجه الجليل الكريم وحده . يعد استقرار هذه الحقيقة نعمة يواجه بها الجن والإنس في معرض الآلاء : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . .

وإنها لنعمة ، بل هي أساس النعم كلها جميعا . فمن حقيقة الوجود الباقي ينبثق كل هذا الخلق ؛ وناموسه ونظامه وخصائصه . كما تستقر سننه وقيمه ومآله وجزاؤه . والحي الباقي هو الذي يخلق ويبدع ، وهو الذي يحفظ ويكلأ ، وهو الذي يحاسب ويجزي . وهو الذي يشرف من أفق البقاء على ساحة الفناء . . فمن حقيقة البقاء إذن تنبثق جميع الآلاء . وما يبزغ هذا العالم وما يستقيم أمره إلا ووراءه هذه الحقيقة . حقيقة البقاء وراء الفناء .