تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

فأجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهورا عند من رد دعوة الرسل : ف { قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا } أي : فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا ؟ قالت الرسل لأممهم : { إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }

{ وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ } أي : أنكروا عموم الرسالة ، ثم أنكروا أيضا المخاطبين لهم ، فقالوا : { إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

{ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا } أي : فكيف أوحيَ إليكم وأنتم بشر ونحن بشر ، فلم لا أوحيَ إلينا مثلكم ؟ ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة . وهذه شبه{[24704]} كثير من الأمم المكذبة ، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن : 6 ] ، فاستعجبوا{[24705]} من ذلك وأنكروه . وقوله : { قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } [ إبراهيم : 10 ] . وقوله حكاية عنهم في قوله : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34 ] ، { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا } ؟ [ الإسراء : 94 ] .

ولهذا قال هؤلاء : { مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } أي : أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين : الله يعلم أنا رسله إليكم ، ولو كنا كَذَبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام ، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم ، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار ، كقوله تعالى : { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ العنكبوت : 52 ] . {[24706]}


[24704]:- في ت، س : "شبهة".
[24705]:- في ت، س : "أي استعجبوا".
[24706]:- في ت، س، أ، هـ : "يعلم ما في السموات وما في الأرض" والصواب ما أثبتناه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ} (15)

كان أهل ( أنطاكية ) والمدن المجاورة لها خليطاً من اليهود وعبدة الأصنام من اليونان ، فقوله : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } صالح لأن يصدر من عبدة الأوثان وهو ظاهر لظنهم أن الآلهة لا تبعث الرسل ولا تُوحي إلى أحد ، ولذلك جاء في سفر أعمال الرسل أن بعض اليونان من أهل مدينة ( لسترة ) رأوا معجزة من بولس النبي فقالوا بلسان يوناني : إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا فكانوا يدعون ( برنابا ) ( زفسَ ) . أي كوكب المشتري ، و ( بولسَ ) ( هُرمسَ ) أي كوكب عطارد وجاءهما كاهن ( زفس ) بثيران ليذبحها لهما ، وأكاليل ليضعها عليهما ، فلما رأى ذلك ( بولس وبرنابا ) مزّقا ثيابهما وصرخا : « نحن بشر مثلكم نعظكم أن ترجعوا عن هذه الأباطيل إلى الإِله الحي الذي خلق السماوات والأرض » الخ .

وصالح لأن يصدر من اليهود الذين لم يتنصّروا لأن ذلك القول يقتضي أنهما وبقية اليهود سواء وأن لا فضل لهما بما يزعمون من النبوءة ويقتضي إنكار أن يكون الله أنزل شيئاً ، أي بعد التوراة . فمن إعجاز القرآن جمع مقالة الفريقين في هاتين الجملتين .

واختيار وصف { الرحمان } في حكاية قول الكفرة { وما أنزل الرحمان من شيء } لكونه صالحاً لعقيدة الفريقين لأن اليونان لا يعرفون اسم الله ، وربُّ الأرباب عندهم هو ( زفس ) وهو مصدر الرحمة في اعتقادهم ، واليهود كانوا يتجنبون النطق باسم الله الذي هو في لغتهم ( يَهْوَه ) فيعوضونه بالصفات .

والاستثناء في { إن أنتم إلا تكذبون } استفهام مفرغ من أخبار محذوفة فجملة { تكذبون } في موضع الخبر عن ضمير { أنتم } .