تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ} (99)

{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ }

يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } تحصل بها الهداية لمن استهدى ، وإقامة الحجة على من عاند ، وهي في الوضوح والدلالة على الحق ، قد بلغت مبلغا عظيما ووصلت إلى حالة لا يمتنع من قبولها إلا من فسق عن أمر الله ، وخرج عن طاعة الله ، واستكبر غاية التكبر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ} (99)

قال الإمام أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي : أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات [ دلالات ]{[2280]} على نبوتك ، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله من خفايا علوم اليهود ، ومكنونات سرائر أخبارهم ، وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل ، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارُهم وعلماؤهم ، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم ، التي كانت في التوراة . فأطلع الله في كتابه الذي أنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف نفسه ، ولم يَدْعُه إلى هلاكها الحسد{[2281]} والبغي ، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة تصديقُ من أتى بمثل{[2282]} ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات التي وَصَفَ ، من غير تعلُّم تعلَّمه من بَشَريٍّ{[2283]} ولا أخذ شيئًا{[2284]} منه عن آدمي . كما قال الضحاك ، عن ابن عباس : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية ، وبين ذلك ، وأنت عندهم أمي لا تقرأ{[2285]} كتابًا ، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه . يقول الله : في ذلك لهم عبرة وبيان ، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال ابن صُوريا الفطْيُوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك . فأنزل الله في ذلك من قوله : { وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ }


[2280]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2281]:في جـ: "هلاكه بالحسد".
[2282]:في جـ: "تصديق ذلك من أن يمثل".
[2283]:في جـ: "من بشر".
[2284]:في جـ، ط، ب: "شيء" وهو خطأ.
[2285]:في جـ، ط، ب: "لم تقرأ".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ} (99)

{ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون } أي المتمردون من الكفرة ، والفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي دل على عظمة كأنه متجاوز عن حده . نزل في ابن صوريا حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل عليك من آية فنتبعك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ} (99)

عطف على قوله : { قل من كان عدواً لجبريل } [ البقرة : 97 ] عطف القصة على القصة لذكر كفرهم بالقرآن فهو من أحوالهم . وهاته الجملة جواب لقسم محذوف فعطفها على { قل من كان عدواً } من عطف الإنشاء على الإنشاء وفيه زيادة إبطال لقولهم : { نؤمن بما أنزل علينا } [ البقرة : 91 ] .

وفي الانتقال إلى خطاب النبيء صلى الله عليه وسلم إقبال عليه وتسلية له عما لقي منهم وأن ما أنزل إليه لا يكذب به إلا من لا يؤبه بتكذيبه لكون هذا المنزل دلائل واضحة لا تقصر عن إقناعهم بأحقيتها ولكنهم يظهرون أنفسهم أنهم لم يوقنوا بحقيتها .

واللام موطئة لقسم محذوف فهنا جملة قسم وجوابه حذف القسم لدلالة اللام عليه .

وقوله : { وما يكفر بها إلا الفاسقون } عطف على { لقد أنزلنا } فهو جواب للقسم أيضاً .

والفاسق هو الخارج عن شيء من فسقت التمرة كما تقدم في قوله تعالى : { وما يضل به إلا الفاسقين } [ البقرة : 26 ] وقد شاع إطلاقه على الخارج عن طريق الخير لأن ذلك الوصف في التمرة وصف مذموم وقد شاع في القرآن وصف اليهود به ، والمعنى ما يكفر بهاته الآيات إلا من كان الفسق شأنه ودأبه لأن ذلك بهيئه للكفر بمثل هذه الآيات ، فالمراد بالفاسقين المتجاوزون الحد في الكفر المتمردون فيه . والإخبار وقع بالمضارع الدال على التجدد . والتوصيف وقع باسم الفاعل المعروف باللام .