غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ} (99)

97

الآيات البينات هي آيات القرآن ، ولا يبعد أن تشمل سائر معجزاته وإن كان لفظ الإنزال نابياً عنه بعض النبوّ . ومعنى كون الآية بينة أن العلوم تنقسم إلى ما يكون طريق تحصيله ، والدليل الدال عليه أكثر مقدمات فيكون الوصل إليه أصعب ، وإلى ما يكون أقل مقدمات فيكون الوصول إليه أقرب وهذا هو الآية البينة . والكفر بها إما جحودها مع العلم بصحتها ، وإما جحودها مع الجهل وترك النظر فيها والإعراض عن دلائلها ، وليس في الظاهر تخصيص فيدخل الكل فيه ، والفسق هو خروج الإنسان عما حد له إلى الفساد ويقرب منه الفجور ، لأنه مأخوذ من فجور السد الذي يمنع الماء من أن يصير إلى الموضع الذي يفسد . عن الحسن : إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره . ولهذا لا يوصف صاحب الصغيرة بالفسق وإن تجاوز عن أمر الله تعالى كمن فتح من النهر نقباً صغيراً لا يقال : إنه فجر النهر . وفي قوله { إلا الفاسقون } وجهان : أحدهما أن كل كافر فاسق ولا ينعكس ، وكان ذكر الفاسق أولى ليأتي على الكافر وغيره . الثاني أن المراد وما يكفر بها إلا الكافر المتجاوز عن كل حد في كفره . وهذه الآيات لما كانت بينة لم يكفر بها إلا الكافر الذي بلغ في الكفر النهاية القصوى ، وهذا نوع آخر من فضائح اليهود . عن ابن عباس أنهم كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعث صلى الله عليه وسلم من العرب كفروا به وجحدوا بما كانوا يقولون فيه فقال لهم معاذ بن جبل : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل الشرك ، وتخبروننا أنه مبعوث وتصفون لنا صفته . فقال بعضهم : ما جاءنا بشيء من البينات وما هو بالذي كنا نذكر لكم فنزلت . واللام في { الفاسقون } للجنس أو إشارة إلى أهل الكتاب .