القول في تأويل قوله تعالى : { وَانشَقّتِ السّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَىَ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىَ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } .
يقول تعالى ذكره : وانصدعت السماء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يقول : منشقة متصدّعة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، قال : «إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا بأهلها ، ونزل من فيها من الملائكة ، فأحاطوا بالأرض ومن عليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، فصفوا صفا دون صفّ ثم نزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله الله : إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْم التّنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ وذلك قوله : وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ ، وقوله : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ وذلك قوله : وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَك على أرْجائها » .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يعني : متمزّقة ضعيفة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء.
"فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ": منشقة متصدّعة.
عن ابن عباس، قوله: "وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ "يعني: متمزّقة ضعيفة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وانشقت السماء} قال بعضهم: تفرقت، وهكذا الشيء إذ انشق، تفرق، وتناثر، وبه يظهر الشق. ويحتمل أن يكون الشق كناية عن اللين، أي تلين بعد صلابتها، وتصير ذليلة.
{فهي يومئذ واهية} أي ضعيفة بعدما كانت تنسب إلى الصلابة. ويدل على ذلك قوله: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} [الأنبياء: 104] وإنما يطوى الشيء في الشاهد بعد ما كان يلين في نفسه.
وجائز أن يكون ذكر انشقاقها وانفطارها وانفتاحها تهويلا للخلق من الوجه الذي ذكرنا في ما قبل.
{فهي يومئذ واهية} أي ضعيفة مسترخية، وقيل: الوهي: الخرق، وهو يحتمل لأنها إذا انشقت انخرقت...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَاهِيَةٌ} مسترخية ساقطة القوّة جدّا بعد ما كانت محكمة مستمسكة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وانشقاق السماء هو تفطيرها وتمييز بعضها عن بعض، وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدارات البالية المتشققة؛ واهية.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر تأثير العالم السفلي ذكر العلوي فقال: {وانشقت السماء} أي هذا الجنس لشدة ذلك اليوم، ولما كان الشيء لا ينشق إلا لخلل فيه، سبب عنه قوله تحقيقاً لذلك. {فهي يومئذ} أي إذا وقعت الواقعة {واهية *} أي ضعيفة متساقطة خفيفة لا تتماسك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولا يقتصر الهول على حمل الأرض والجبال ودكها دكة واحدة، فالسماء في هذا اليوم الهائل ليست بناجية: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية).. ونحن لا ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن. ولكن هذا النص والنصوص الأخرى التي تشير إلى الأحداث الكونية في ذلك اليوم العظيم كلها تشير إلى انفراط عقد هذا الكون المنظور، واختلال روابطه وضوابطه التي تمسك به في هذا النظام البديع الدقيق، وتناثر أجزائه بعد انفلاتها من قيد الناموس.. ولعله من المصادفات الغريبة أن يتنبأ الآن علماء الفلك بشيء يشبه هذا تكون فيه نهاية العالم، استنباطا من ملاحظتهم العلمية البحتة، وحسب القليل الذي عرفوه من طبيعة هذا الكون وقصته كما افترضوها.. فأما نحن فنكاد نشهد هذه المشاهد المذهلة، من خلال النصوص القرآنية الجازمة؛ وهي نصوص مجملة توحي بشيء عام؛ ونحن نقف عند إيحاء هذه النصوص، فهي عندنا الخبر الوحيد المستيقن عن هذا الشأن، لأنها صادرة من صاحب الشأن، الذي خلق، والذي يعلم ما خلق علم اليقين. نكاد نشهد الأرض وهي تحمل بجبالها بكتلتها هذه، الضخمة بالقياس إلينا، الصغيرة كالهباءة بالقياس إلى الكون، فتدك دكة واحدة؛ ونكاد نشهد السماء وهي مشققة واهية والكواكب وهي متناثرة منكدرة.. كل ذلك من خلال النصوص القرآنية الحية، المشخصة المشاهد بكامل قوتها كأنها حاضرة..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقد انشقت السماء. وانشقاق السماء: مطاوعتها لِفعل الشق، والشقُّ: فتح منافذ في محيطها، قال تعالى: {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلاً المُلكُ يومئذٍ الحقُ للرحمان وكان يوماً على الكافرين عسيراً} [الفرقان: 25، 26]. وحقيقة {واهية} ضعيفة ومتفرقة، ويستعار الوهي للسهولة وعدم الممانعة، يقال: وهَى عزمه، إذا تسامح وتساهل،. وتقييده ب {يومئذٍ} أن الوهي طرأ عليها بعد أن كانت صلبة بتماسك أجزائها، وهو المعبر عنه في القرآن بالرتق كما عبر عن الشق بالفتق، أي فهي يومئذٍ مطروقة مسلوكة. والوهي: قريب من الوهن، والأكثر أن الوهْي يوصف به الأشياء غير العاقلة، والوهن يوصف به الناس. والمعنى: أن الملائكة يترددون إليها صعوداً ونزولاً خلافاً لحالها مِن قبلُ قال تعالى: {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} [الرحمن: 37].
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.