فإنها في غاية العجز { لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } ولا أنفسهم ينصرون ، فإذا كانوا لا يستطيعون نصرهم ، فكيف ينصرونهم ؟ والنصر له شرطان : الاستطاعة [ والقدرة ]{[758]} فإذا استطاع ، يبقى : هل يريد نصرة من عبده أم لا ؟ فَنَفْيُ الاستطاعة ، ينفي الأمرين كليهما .
{ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ } أي : محضرون هم وهم في العذاب ، ومتبرئ بعضهم من بعض ، أفلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء ، وأخلصوا العبادة للذي بيده الملك والنفع والضر ، والعطاء والمنع ، وهو الولي النصير ؟
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لا يستطيعون نصرهم} لا تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب.
{وهم لهم جند محضرون} يقول كفار مكة للآلهة حزب يغضبون لها، ويحضرونها في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: لا تستطيع هذه الآلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا، ولا تدفع عنهم ضرّا.
وقوله:"وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ" يقول: وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضَرون.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "مُحْضَرُونَ "وأين حضورهم إياهم، فقال بعضهم: عُني بذلك: وهم لهم جند محضرون عند الحساب...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهم لهم جند محضَرون في الدنيا يغضبون لهم... عن قتادة: "لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ" الآلهة، "وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ" والمشركون يغضَبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرا، ولا تدفع عنهم سوءا، إنما هي أصنام.
وهذا الذي قاله قتادة أولى القولين عندنا بالصواب في تأويل ذلك، لأن المشركين عند الحساب تتبرأ منهم الأصنام، وما كانوا يعبدونه، فكيف يكونون لها جندا حينئذٍ، ولكنهم في الدنيا لهم جند يغضبون لهم، ويقاتلون دونهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مُحْضَرُونَ} يخدمونهم ويذبون عنهم، ويغضبون لهم؛ والآلهة لا استطاعة بهم ولا قدرة على النصر.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
سماهم جنداً في هذا التأويل إذ هم عدة للنقمة منهم وتوبيخهم، وجرت ضمائر الأصنام في هذه الآية مجرى من يعقل؛ إذ نزلت في عبادتها منزل ذي عقل، فعملت في العبارة بذلك.
فيه معنى لطيف وهو أنه تعالى لما قال: {لا يستطيعون نصرهم} أكدها بأنهم لا يستطيعون نصرهم حال ما يكونون جندا لهم ومحضرون لنصرتهم فإن ذلك دال على عدم الاستطاعة، فإن من حضر واجتمع ثم عجز عن النصرة يكون في غاية الضعف بخلاف من لم يكن متأهبا ولم يجمع أنصاره.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
إنها في غاية العجز {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} ولا أنفسهم ينصرون، فإذا كانوا لا يستطيعون نصرهم، فكيف ينصرونهم؟ والنصر له شرطان: الاستطاعة [والقدرة] فإذا استطاع، يبقى: هل يريد نصرة من عبده أم لا؟ فَنَفْيُ الاستطاعة، ينفي الأمرين كليهما.
{وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} أي: محضرون هم وهم في العذاب، ومتبرئ بعضهم من بعض، أفلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء، وأخلصوا العبادة للذي بيده الملك والنفع والضر، والعطاء والمنع، وهو الولي النصير؟
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لقد كانوا يتخذون تلك الآلهة يبتغون أن ينالوا بها النصر. بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد أو يصيبها بسوء، فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها: (وهم لهم جند محضرون).. وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير. غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل، فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم، لا يبعدون كثيراً عن عباد تلك الأصنام والأوثان. فهم جند محضرون للطغاة. وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم. ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين!
إن الوثنية هي الوثنية في شتى صورها. وحيثما اضطربت عقيدة التوحيد الخالص أي اضطراب جاءت الوثنية، وكان الشرك، وكانت الجاهلية! ولا عصمة للبشرية إلا بالتوحيد الخالص الذي يفرد الله وحده بالألوهية. ويفرده وحده بالعبادة. ويفرده وحده بالتوجه والاعتماد. ويفرده وحده بالطاعة والتعظيم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أجري على الأصنام ضمير جمع العقلاء في قوله: {لا يستطيعون} لأنهم سموهم بأسماء العقلاء وزعموا لهم إدراكاً.
وضمير {وهُمْ} يجوز أن يعود إلى {ءَالِهَة} تبعاً لضمير {لا يستطيعون}.
وضمير {لَهُم} للمشركين، أي والأصنام للمشركين جند محضَرون، والجند العدد الكثير. والمحضر الذي جيء به ليحضر مشهداً.
والمعنى: أنهم لا يستطيعون النصر مع حضورهم في موقف المشركين؛ لمشاهدة تعذيبهم ومع كونهم عدداً كثيراً، ولا يقدرون على نصر المتمسكين بهم، أي هم عاجزون عن ذلك، وهذا تأييس للمشركين من نفع أصنامهم. ويجوز العكس، أي والمشركون جند لأصنامهم محضرون لخدمتها. ويجوز أن يكون هذا إخباراً عن حالهم مع أصنامهم في الدنيا وفي الآخرة.
وينبغي أن تكون جملة {وهم لهم جندٌ مُحضرونَ} في موضع الحال، والواو واو الحال من ضمير {يستطيعون}، أي ليس عدم استطاعتهم نصرهم لبعد مكانهم وتأخر الصريخ لهم ولكنهم لا يستطيعون وهم حاضرون لهم، واللام في {لَهُم} للأجَل، أي أن الله يحضر الأصنام حين حشر عبدتها إلى النار؛ ليُري المشركين خطَل رأيهم وخيبة أملهم، فهذا وعيد بعذاب لا يجدون منه ملجأ.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
التعبير ب (محضرون) يكون عادةً للتحقير؛ لأنّ إحضار الأفراد دون أن يكون لموافقتهم أو عدمها أثر إنّما يدلّل على حقارتهم.
" لا يستطيعون نصرهم " يعني الآلهة . وجمعوا بالواو والنون ؛ لأنه أخبر عنهم بخبر الآدميين . " وهم " يعني الكفار " لهم " أي للآلهة " جند محضرون " قال الحسن : يمنعون منهم ويدفعون عنهم . وقال قتادة : أي يغضبون لهم في الدنيا . وقيل : المعنى أنهم يعبدون الآلهة ويقومون بها ، فهم لها بمنزلة الجند وهي لا تستطيع أن تنصرهم . وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى . وقيل : إن الآلهة جند للعابدين محضرون معهم في النار . فلا يدفع بعضهم عن بعض . وقيل : معناه وهذه الأصنام لهؤلاء الكفار جند الله عليهم في جهنم ؛ لأنهم يلعنونهم ويتبرؤون من عبادتهم . وقيل : الآلهة جند لهم محضرون يوم القيامة لإعانتهم في ظنونهم . وفي الخبر : ( إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله فيتبعونه إلى النار ؛ فهم لهم جند محضرون )
قلت : ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ، وفي الترمذي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون . . . ) وذكر الحديث بطوله .
ولما كان للنصر سببان : ظاهري وهو الاجتماع ، وأصلي باطني وهو الإله المجتمع عليه ، بين غلطهم بتضييع الأمل ، فقال مستأنفاً في جواب من كأنه قال : فهل بلغوا ما أرادوا ؟ : { لا يستطيعون } أي الألهة المتخذة { نصرهم } أي العابدين { وهم } أي العابدون { لهم } أي الآلهة { جند } ولما كان الجند مشتركاً بين العسكر والأعوان والمدينة ، عين المراد بضمير الجمع ولأنه أدل على عجزهم وحقارتهم فقال : { محضرون * } أي يفعلون في الاجتماع إليها والمحاماة عنها فعل من يجمعه كرهاً إيالة الملك وسياسة العظمة ، فصارت العبرة بهم خاصة في حيازة السبب الظاهري مع تعبدهم للعاجز وذلهم للضعيف الدون مع ما يدعون من الشهامة والأنفة والضخامة ، فلو جمعوا أنفسهم على الله لكان لهم ذلك ، وحازوا معه السبب الأعظم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.