تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ} (45)

يقول تعالى : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا } الذين أخلصوا لنا العبادة ذكرا حسنا ، { إِبْرَاهِيمَ } الخليل { و } ابنه { إِسْحَاقَ وَ } ابن ابنه { يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي } أي : القوة على عبادة اللّه تعالى { وَالْأَبْصَارَ } أي : البصيرة في دين اللّه . فوصفهم بالعلم النافع ، والعمل الصالح الكثير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ} (45)

17

وبعد عرض هذه القصص الثلاثة بشيء من التفصيل ؛ ليذكره رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويصبر على ما يلاقيه . يجمل السياق الإشارة إلى مجموعة من الرسل . في قصصهم من البلاء والصبر ، ومن الإنعام والإفضال ، ما في قصص داود وسليمان وأيوب - عليهم السلام - ومنهم سابقون على هؤلاء معروف زمانهم . ومنهم من لا نعرف زمانه ، لأن القرآن والمصادر المؤكدة لدينا لم تحدده :

( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار . إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار . وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار . واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار . . . ) . .

وإبراهيم وإسحاق ويعقوب - وكذلك إسماعيل - كانوا قبل داود وسليمان قطعاً . ولكن لا نعرف أين هم من زمان أيوب . وكذلك اليسع وذو الكفل . ولم يرد عنهما في القرآن إلا إشارات سريعة . وهناك نبي من أنبياء بني إسرائيل اسمه بالعبرية : " إليشع " وهو اليسع بالعربية على وجه الترجيح . فأما ذو الكفل فلا نعرف عنه شيئاً إلا صفته هذه ( من الأخيار ) . .

ويصف الله سبحانه : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، بأنهم ( أولي الأيدي والأبصار ) . . كناية عن العمل الصالح بالأيدي والنظر الصائب أو الفكر السديد بالأبصار . وكأن من لا يعمل صالحاً لا يد له . ومن لا يفكر تفكيراً سليماً لا عقل له أو لا نظر له !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ} (45)

القول فيه كالقول في نظائره لغةً ومعنى . وذِكر هؤلاء الثلاثة ذكر اقتداء وائتساء بهم ، فأما إبراهيم عليه السّلام فيما عرف من صبره على أذى قومه ، وإلقائه في النار ، وابتلائه بتكليف ذبح ابنه ، وأما ذِكر إسحاق ويعقوبَ فاستطراد بمناسبة ذكر إبراهيم ولما اشتركا به من الفضائل مع أبيهم التي يجمعها اشتراكهم في معنى قوله : { أُولي الأيدِي والأبصارِ } ليقتدي النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثتهم في القوة في إقامة الدين والبصيرة في حقائق الأمور .

وابتدىء بإبراهيم لتفضيله بمقام الرسالة والشريعة ، وعطف عليه ذكر ابنه وعطف على ابِنه ابنه يعقوب . وقرأ الجمهور { واذكر عبادنا } بصيغة الجمع على أن { إبراهيم } ومن عطف عليه كله عطف بيان . وقرأ ابن كثير { عَبدنا } بصيغة الإفراد على أن يكون { إِبْرَاهِيمَ } عطف بيان من { عبدنا } ويكون { إسحاق ويعقوب } عطف نسق على { عبدنا } . ومآل القراءتين متّحد .

و { الأيدي } : جمع يد بمعنى القوة في الدين . كقوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيد } في سورة [ الذاريات : 47 ] .

( و { الأبصار } : جمع بصر بالمعنى المجازي ، وهو النظر الفكري المعروف بالبصيرة ، أي التبصر في مراعاة أحكام الله تعالى وتوخّي مرضاته .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ} (45)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أولي الأيدي} أولي القوة في العبادة.

{والأبصار} البصيرة في أمر الله ودينه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ" ويعني بالأيدي: القوّة، يقول: أهل القوّة على عبادة الله وطاعته. ويعني بالأبصار: أنهم أهل أبصار القلوب، يعني به: أولى العقول للحقّ.

وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم في ذلك نحوًا مما قلنا فيه... عن ابن عباس، قوله "أُولِي الأيْدِي" يقول: أولي القوّة والعبادة، "والأبْصَارِ" يقول: الفقه في الدين...

فإن قال لنا قائل: وما الأيدي من القوّة، والأيدي إنما هي جمع يد، واليد جارحة، وما العقول من الأبصار، وإنما الأبصار جمع بصر؟ قيل: إن ذلك مثل، وذلك أن باليد البطش، وبالبطش تُعرف قوّة القويّ، فلذلك قيل للقويّ: ذو يَدٍ؛ وأما البصر، فإنه عنى به بصر القلب، وبه تنال معرفة الأشياء، فلذلك قيل للرجل العالم بالشيء: يصير به. وقد يُمكن أن يكون عَنى بقوله "أُولِي الأَيْدِي": أولي الأيدي عند الله بالأعمال الصالحة، فجعل الله أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا أيديا لهم عند الله تمثيلا لها باليد، تكون عند الرجل الآخر.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله عز وجل {واذكر} من ذكر من الرسل عليهم السلام وأهل الصفوة: أي اذكر هؤلاء بما لقوا من أعدائهم، فتستعين أنت بما تلقى من أعدائك.

أو: اذكر خبر هؤلاء في العبادة والدين ليحثك، ويحرضك على الجهد فيها.

أو: اذكر الأسباب التي بها صار هؤلاء أهل صفوة الله ومحل إحسانه ليحملك ذلك على طلب الأسباب لتصير من أهل صفوة الله.

أو: اذكر هؤلاء الصالحين لتتسلى بذكرهم عن بعض أمورك وهمومك.

ثم معلوم أن هؤلاء لم يكونوا أهل قوة في أنفسهم، وإنما كانوا أهل قوة في العبادة في الدين ليعلم أن القوة في الدين غير القوة في النفس.

{أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} دلالة أن قد يفهم بذكر الأيدي غير الجارحة وبذكر البصر غير العين؛ لأنه معلوم أنه لم يرد بذكر الأيدي الجوارح ولا بذكر الأبصار الأعين، ولا فهم منه ذلك، ولكن فهم باليد القوة وبذكر البصر الفهم، أو ما فهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل: في كل عمل هذا مما عملت أيديهم، وإن كان عملاً لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذماً لا أيدي لهم، وعلى ذلك ورد قوله عزّ وعلا: {أُولِي الأيدي والأبصار} يريد: أولي الأعمال والفكر، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون في الله، ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات ولا يستبصرون في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم. وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين في دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن اليد آلة لأكثر الأعمال والبصر آلة لأقوى الإدراكات، فحسن التعبير عن العمل باليد وعن الإدراك بالبصر. إذا عرفت هذا فنقول النفس الناطقة الإنسانية لها قوتان عاملة وعالمة، أما القوة العاملة فأشرف ما يصدر عنها طاعة الله، وأما القوة العالمة فأشرف ما يصدر عنها معرفة الله، وما سوى هذين القسمين من الأعمال والمعارف فكالعبث والباطل، فقوله: {أولي الأيدي والأبصار} إشارة إلى هاتين الحالتين...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

مقام العبودية هو أوّل ميزة لأولئك الأنبياء، وحقّاً فإنّ كلّ شيء جمع في هذه الصفة؛ فالعبودية لله تعني التبعية المطلقة له، وتعني الاستسلام الكامل لإرادته، والاستعداد لتنفيذ أوامره في كلّ الأحوال، العبودية لله تعني عدم الاحتياج لغيره، وعدم التوجّه لسواه والتفكير بلطفه ورحمته فقط، هذا هو أوج تكامل الإنسان وأفضل شرف له...

(اُولي الأيدي والأبصار) إنّه لتعبير مثير للعجب؟ أصحاب الأيدي والأبصار!

«أيدي» جمع (يد)، و (أبصار) جمع (بصر)، الإنسان يحتاج إلى قوّتين لتحقيق أهدافه، الاُولى قوّة الإدراك والتشخيص، والثانية حسن الأداء. وبعبارة أخرى: يجب عليه الاستفادة من (العلم) و (القدرة) للوصول إلى أهدافه، وقد وصف البارئ عز وجل أنبياءه بأنّهم ذوو إدراك وتشخيص وبصيرة قويّة، وذوو قوّة وقدرة كافية لإنجاز أعمالهم.

إنّ هؤلاء الأنبياء على مستوى عال من المعرفة، وأنّ مستوى علمهم بشريعة الله وأسرار الخلق وخفايا الحياة لا يمكن تحديده، أمّا من حيث الإرادة والتصميم وحسن الأداء، فإنّهم غير كسولين أو عاجزين أو ضعفاء، بل هم أشخاص ذوو إرادة قويّة وتصميم راسخ، إنّهم قدوة لكلّ السائرين في طريق الحقّ، فبعد مقام العبودية الكامل لله تعالى، لتسلّحوا بهذين السلاحين القاطعين...