تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ} (45)

قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } : يحتمل قوله عز وجل { واذكر } من ذكر من الرسل عليهم السلام وأهل الصفوة ، أي اذكر هؤلاء بما لقوا من أعدائهم ، فتستعين أنت بما تلقى من أعدائك .

أو يقول : اذكر صبر هؤلاء على قومهم لتصبر أنت على أذى قومك ، وهو قريب من الأول .

أو يقول : اذكر خبر هؤلاء في العبادة والدين ليحثك ، ويحرضك على الجهد فيها .

أو يقول : اذكر الأسباب التي بها صار هؤلاء أهل صفوة الله ومحل إحسانه ليحملك ذلك على طلب الأسباب لتصير من أهل صفوة الله ، ونحوه يحتمل .

أو يقول : اذكر هؤلاء الصالحين لتتسلى بذكرهم عن بعض أمورك وهمومك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } قيل : أولي الأيدي أولي القوة في العبادة والبصر في الدين . ثم معلوم أن هؤلاء لم يكونوا أهل قوة في أنفسهم ، وإنما كانوا أهل قوة في العبادة في الدين ليعلم أن القوة في الدين غير القوة في النفس .

و قيل : { أولي الأيدي و الأبصار } أولي القوة في طاعة الله و البصر في الحق ، وقيل : في الفقه أولي الفهم في كتاب الله ، و هو واحد .

ثم في قوله : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } دلالة أن قد يفهم بذكر الأيدي غير الجارحة وبذكر البصر غير العين لأنه معلوم أنه لم يرد بذكر الأيدي الجوارح ولا بذكر الأبصار الأعين ، ولا فهم منه ذلك ، ولكن فهم باليد القوة وبذكر البصر الفهم ، أو ما فهم .

فعلى ذلك لا يفهم من قوله عز وجل : { خلقت بيدي } [ ص : 75 ] ونحوه الجارحة على ما يفهم من الخلق ، ولكن القوة أو غيرها . لكن كنى باليد عن القوة لما باليد يقوى ، وكنى بالبصر عن درك الأشياء حقيقة لما بالبصر تدرك الأشياء .