ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر : ( كلا ! ) . . لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .
ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها ، واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها ، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا : ( إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة . ) . . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها ، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها ، وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .
وجملة : { فمن شاء ذكره } معترضة بين قوله : { تذكرة } وقوله : { في صحف } .
والفاء لتفريع مضمون الجملة على جملة { إنها تذكرة } فإن الجملة المعترضة تقترن بالفاء إذا كان معنى الفاء قائماً ، فالفاء من جملة الاعتراض ، أي هي تذكرة لك بالأصالة وينتفع بها من شاء أن يتذكر على حسب استعداده ، أي يتذكر بها كل مسلم كقوله تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك } [ الزخرف : 44 ] .
وفي قوله : { فمن شاء ذكره } تعريض بأن موعظة القرآن نافعة لكل أحد تجرد عن العناد والمكابرة ، فمن لم يتعظ بها فلأنه لم يشأ أن يتعظ . وهذا كقوله تعالى : { إنما أنت منذر من يخشاها } [ النازعات : 45 ] وقوله : { لمن شاء منكم أن يستقيم } [ التكوير : 28 ] وقوله : { وإنه لتذكرة للمتقين } [ الحاقة : 48 ] ونحوه كثير ، وقد تقدم قريب منه في قوله تعالى : { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً } في سورة الإنسان ( 29 ) .
والتذكرة : اسم لما يُتذكر به الشيءُ إذا نُسي . قال الراغب : وهي أعم من الدلالة والأمارة قال تعالى : { فما لهم عن التذكرة معرضين } وتقدم نظيره في سورة المدثر ( 49 ) .
وكل من تذكرة } و { ذكره } هو من الذكر القلبي الذي مصدره بضم الدال في الغالب ، أي فمن شاء عمل به ولا ينسه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فمن شاء من عباد الله ذكره، يقول: ذكر تنزيل الله ووحيه، والهاء في قوله «إنّها» للسورة، وفي قوله «ذَكَرَهُ» للتنزيل والوحي...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يكون معناه: من شاء الله أن يذكره، أو شاء ذكره، أي قد مكن كل التذكير، وإنه ليس أحد بممنوع ولا مجبور على الفعل؛ فمن ترك التذكر فهو الذي ضيع ذلك حين آثر، واختار ضده، واشتغل بغيره، وأعرض عن ذكره. وجائز أن يكون على تحقيق الفعل أي من تذكر به فهو ذكر له...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أي كان حافظاً له غير ناس، وذكر الضمير لأنّ التذكرة في معنى الذكر والوعظ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
يتضمن وعداً ووعيداً على نحو قوله تعالى: {فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً} [النبأ: 39]...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
والجملة المؤكدة تعليل لما أفادته كلا ببيان علو رتبة القرآن العظيم الذي استغنى عنه من تصدى عليه الصلاة والسلام له، والجملة الثانية اعتراض جيء به للترغيب في القرآن والحث على حفظه أو الاتعاظ به...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي هي تذكرة لك بالأصالة وينتفع بها من شاء أن يتذكر على حسب استعداده، أي يتذكر بها كل مسلم كقوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]. وفي قوله: {فمن شاء ذكره} تعريض بأن موعظة القرآن نافعة لكل أحد تجرد عن العناد والمكابرة، فمن لم يتعظ بها فلأنه لم يشأ أن يتعظ. وهذا كقوله تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] وقوله: {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28] وقوله: {وإنه لتذكرة للمتقين} [الحاقة: 48] ونحوه كثير...
والتذكرة: اسم لما يُتذكر به الشيءُ إذا نُسي. قال الراغب: وهي أعم من الدلالة والأمارة قال تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين}...
و {ذكره} هو من الذكر القلبي الذي مصدره بضم الدال في الغالب، أي فمن شاء عمل به ولا ينساه...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وتشير الآية التالية إلى اختيارية الهداية والتذكّر: (فَمَنْ شاء ذكره). نعم، فلا إجبار ولا إكراه في تقبل الهدي الرّباني، فالآيات القرآنية مطروحة وأسمعت كلّ الآذان، وما على الإنسان إلاّ أن يستفيد منها أو لا يستفيد...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.