مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ} (12)

ثم قال : { كلا } وهو ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله . قال الحسن : لما تلا جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات عاد وجهه ، كأنما أسف الرماد فيه ينتظر ماذا يحكم الله عليه ، فلما قال : { كلا } سرى منه ، أي لا تفعل مثل ذلك ، وقد بينا نحن أن ذلك محمول على ترك الأولى .

ثم قال : { إنها تذكرة } وفيه سؤالان :

الأول : قوله : { إنها } ضمير المؤنث ، وقوله : { فمن شاء ذكره } ضمير المذكر ، والضميران عائدان إلى شيء واحد ، فكيف القول فيه ؟ ( الجواب ) : وفيه وجهان ( الأول ) : أن قوله : { إنها } ضمير المؤنث ، قال مقاتل : يعني آيات القرآن ، وقال الكلبي : يعني هذه السورة وهو قول الأخفش والضمير في قوله : { فمن شاء ذكره } عائد إلى التذكرة أيضا ، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ ( الثاني ) : قال صاحب «النظم » : { إنها تذكرة } يعني به القرآن والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة أخرجه على لفظ التذكرة ، ولو ذكره لجاز كما قال في موضع آخر : { كلا إنه تذكرة } والدليل على أن قوله : { إنها تذكرة } المراد به القرآن قوله : { فمن شاء ذكره } .

السؤال الثاني : كيف اتصال هذه الآية بما قبلها ؟ ( الجواب ) : من وجهين ( الأول ) : كأنه قيل : هذا التأديب الذي أوحيته إليك وعرفته لك في إجلال الفقراء وعدم الالتفات إلى أهل الدنيا أثبت في اللوح المحفوظ الذي قد وكل بحفظه أكابر الملائكة ( الثاني ) : كأنه قيل : هذا القرآن قد بلغ في العظمة إلى هذا الحد العظيم ، فأي حاجة به إلى أن يقبله هؤلاء الكفار ، فسواء قبلوه أو لم يقبلوه فلا تلتفت إليهم ولا تشغل قلبك بهم ، وإياك وأن تعرض عمن آمن به تطييبا لقلب أرباب الدنيا .

قوله تعالى : { فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة } اعلم أنه تعالى وصف تلك التذكرة بأمرين ( الأول ) : قوله : { فمن شاء ذكره } أي هذه تذكرة بينة ظاهرة بحيث لو أرادوا فهمها والاتعاظ بها والعمل بموجبها لقدروا عليه .