تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ} (28)

{ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ } عرف بذلك صدق يوسف وبراءته ، وأنها هي الكاذبة .

فقال لها سيدها : { إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } وهل أعظم من هذا الكيد ، الذي برأت به نفسها مما أرادت وفعلت ، ورمت به نبي الله يوسف عليه السلام ، ثم إن سيدها لما تحقق الأمر ، قال ليوسف :

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ} (28)

( فلما رأى قميصه قد من دبر ) . .

تبين له حسب الشهادة المبنية على منطق الواقع أنها هي التي راودت ، وهي التي دبرت الاتهام وهنا تبدو لنا صورة من " الطبقة الراقية " في الجاهلية قبل الآف السنين وكأنها هي هي اليوم شاخصة . رخاوة في مواجهة الفضائح الجنسية ؛ وميل إلى كتمانها عن المجتمع ، وهذا هو المهم كله :

( قال : إنه من كيدكن . إن كيدكن عظيم . يوسف أعرض عن هذا ، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) !

هكذا . إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم . . فهي اللباقة في مواجهة الحادث الذي يثير الدم في العروق . والتلطف في مجابهة السيدة بنسبة الأمر إلى الجنس كله ، فيما يشبه الثناء . فإنه لا يسوء المرأة أن يقال لها : إن كيدكن عظيم ! فهو دلالة في حسها على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد العظيم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ} (28)

يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ، يوسف هارب ، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ، فلحقته في أثناء ذلك ، فأمسكت بقميصه [ من ورائه ]{[15136]} فَقَدَّته{[15137]} قدًا فظيعا ، يقال : إنه سقط عنه ، واستمر يوسف هاربا ذاهبا ، وهي في إثره ، فألفيا سيدها - وهو زوجها - عند الباب ، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها : { مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا } أي :{[15138]} فاحشة ، { إِلا أَنْ يُسْجَنَ } أي : يحبس ، { أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : يضرب ضربا شديدًا موجعا . فعند ذلك انتصر يوسف ، عليه السلام ، بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة ، وقال بارا صادقا{[15139]} { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه ، { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ } أي : من قدامه ، { فَصَدَقَتْ } أي : في قولها إنه أرادها على نفسها ، لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ، فقدت قميصه ، فيصح ما قالت : { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ } وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ، وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه لتردّه إليها ، فقدت قميصه من ورائه .

وقد اختلفوا في هذا الشاهد : هل هو صغير أو كبير ، على قولين لعلماء السلف ، فقال عبد الرزاق :

أخبرنا إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قال : ذو لحية .

وقال الثوري ، عن جابر ، عن ابن أبي مُلَيْكَة ، عن ابن عباس : كان من خاصة الملك . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والسُّدِّي ، ومحمد بن إسحاق : إنه كان رجلا .

وقال زيد بن أسلم ، والسدي : كان ابن عمها .

وقال ابن عباس : كان من خاصة الملك .

وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قال : كان صبيا في المهد . وكذا رُوي عن أبي هريرة ، وهلال بن يَسَاف ، والحسن ، وسعيد بن جبير والضحاك بن مُزاحم : أنه كان صبيا في الدار . واختاره ابن جرير .

وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد - هو ابن سلمة - أخبرني عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي

صلى الله عليه وسلم قال : " تكلم أربعة وهم صغار " ، فذكر فيهم شاهد يوسف{[15140]} .

ورواه غيره عن حماد بن سلمة ، عن عطاء ، عن سعيد ، عن ابن عباس ؛ أنه قال : تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جُرَيْج ، وعيسى ابن مريم{[15141]} .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : كان من أمر الله ، ولم يكن إنسيا . وهذا قول غريب .

وقوله : { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ } أي : فلما تحقق زوجها صدقَ يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به ، { قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ } أي : إن هذا البهت واللَّطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن ، { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }

ثم قال آمرا ليوسف ، عليه السلام ، بكتمان ما وقع : يا { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } أي : اضرب عن هذا [ الأمر ]{[15142]} صفحا ، فلا تذكره لأحد ، { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلا أو أنه عذرها ؛ لأنها رأت ما لا صبر لها عنه ، فقال لها : { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ } أي : الذي{[15143]} وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ، ثم قَذْفه بما هو بريء منه ، استغفري من هذا الذي وقع منك ، { إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }


[15136]:- زيادة من ت ، أ.
[15137]:- في ت ، أ : "فقدت".
[15138]:- في ت ، أ : "تعني".
[15139]:- في ت : "صادقا بارا".
[15140]:- تفسير الطبري (16/55) ورواه أحمد في المسند (1/310) والحاكم في المستدرك (2/496) من طريق حماد بن سلمة به ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
[15141]:- رواه العلاء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري في تفسيره (16/54).
[15142]:- زيادة من ت.
[15143]:- في ت ، أ : "للذي".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ} (28)

{ فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال إنه } إن قولك { ما جزاء من أراد بأهلك سوءا } أو إن السوء أو إن هذا الأمر . { من كيدكنّ } من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء . { إن كيدكنّ عظيم } فإن كيد السناء ألطف وأعلق بالقلب واشد تأثيرا في النفس ولأنهن يواجهن به الرجال والشيطان يوسوس به مسارقة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٖ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيۡدِكُنَّۖ إِنَّ كَيۡدَكُنَّ عَظِيمٞ} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فلما رءا} الزوج {قميصه قد من دبر}، يقول: مزق من ورائه، {قال} لها:

{إنه من كيدكن}، يقول: تمزيق القميص من فعلكن، يعني: امرأته، ثم قال: {إن كيدكن}، يعنى: فعلكن،

{عظيم}، لأن المرأة لا تزال بالرجل حتى يقع في الخطيئة العظيمة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله: {فَلَمّا رأى قَمِيصَهُ قُدّ مِنْ دُبُرٍ}، خبر عن زوج المرأة، وهو القائل لها: إن هذا الفعل {من كيدكنّ}: أي صنيعكنّ، يعني: من صنيع النساء، {إن كيدكنّ عظيم}. وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائل ذلك.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

في الكيد هنا وجهان:

أحدهما: يعني به كذبها عليه.

الثاني: أنه أراد السوء الذي دعته إليه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَلَماَّ رَّءَا} يعني [الزوج] وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها {قَالَ إِنَّهُ} إن قولك {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} أو إنّ الأمر وهو طمعها في يوسف {مِن كَيْدِكُنَّ} الخطاب لها ولأمتها. وإنما استعظم كيد النساء لأنه وإن كان في الرجال، إلا أنّ النساء ألطف كيداً وأنفذ حيلة. ولهنّ في ذلك نيقة ورفق، وبذلك يغلبن الرجال... والقصريات من بينهنّ معهنّ ما ليس مع غيرهنّ من البوائق...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان المعنى: فنظر، بنى عليه قوله: {فلما رءا} أي سيدها {قميصه} أي يوسف عليه الصلاة والسلام {قدَّ من دبر قال} لها وقد قطع بصدقه وكذبها، مؤكداً لأجل إنكارها {إنه} أي هذا القذف له {من كيدكن} معشر النساء؛ والكيد: طلب الإنسان بما يكرهه {إن كيدكن عظيم} والعظيم: ما ينقص مقدار غيره عنه حساً أو معنى، فاستعظمه لأنه أدق من مكر الرجل وألطف وأخفى...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} كأنه لم يكن رأى ذلك بعدُ أو لم يتدبَّرْه فلما تنبه له وعلم حقيقةَ الحال {قَالَ إِنَّهُ} أي الأمرَ الذي وقع فيه التشاجرُ وهو عبارةٌ عن إرادة السوءِ التي أُسندت إلى يوسف وتدبيرِ عقوبته بقولها:"ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءاً..." إلى آخره لكن لا من حيث صدورُ تلك الإرادةِ والإسنادُ عنها بل مع قطع النظرِ عن ذلك لئلا يخلُوَ قوله تعالى {مِن كَيْدِكُنَّ}، أي من جنس حيلتِكن ومكرِكن أيتها النساءُ لا من غيركن... وتعميمُ الخطاب للتنبيه على أن ذلك خُلُق لهن عريق...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن} أي أن هذا العمل ومحاولة التنصل منه بالاتهام من كيدكن المعهود منكن معشر النساء، فهو لم يخص الكيد بزوجه فيقال إنه أمر شاذ منها يجب التروي في تحقيقه بأكثر مما شهد به أحد أهلها، وهو لا يتهم في التحامل عليها وظلمها، بل هو سنة عامة فيهن في التفصي من خطيئاتهن، فقد أثبت خطيئتها مستدلا عليها بالسنة العامة لهن في أمثالها {إن كيدكن عظيم} لا قبل للرجال به ولا يفطنون لحبلكن في دقائقه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

تبين له حسب الشهادة المبنية على منطق الواقع أنها هي التي راودت، وهي التي دبرت الاتهام وهنا تبدو لنا صورة من "الطبقة الراقية "في الجاهلية قبل آلاف السنين وكأنها هي هي اليوم شاخصة: رخاوة في مواجهة الفضائح الجنسية، وميل إلى كتمانها عن المجتمع، وهذا هو المهم كله: (قال: إنه من كيدكن. إن كيدكن عظيم. يوسف أعرض عن هذا، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)! هكذا. إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. فهي اللباقة في مواجهة الحادث الذي يثير الدم في العروق. والتلطف في مجابهة السيدة بنسبة الأمر إلى الجنس كله، فيما يشبه الثناء. فإنه لا يسوء المرأة أن يقال لها: إن كيدكن عظيم! فهو دلالة في حسها على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد العظيم!...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

واقتنع العزيز بهذه الملاحظة لأنها قريبة لمنطق الأشياء، {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} صدّق يوسف بأنها راودته عن نفسه، والتفت إليها في موقف استنكار وتأنيب، {قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ} لما كان يحمله في نفسه من انطباع عن كيد النساء اللواتي يُقمن ضعفهن الأنثوي في مخاطبة شهوة الرجل وغريزته، واستعمال ذلك الضعف كسلاحٍ ضدّه، في ما تذرفه من دموع في حالة الشكوى، وفي ما تقدّمه من أساليب أخرى في محاولة لإقناع الآخرين بظلامتها. وفي هذا الاتجاه سارت زوجة العزيز في موقفها من يوسف، مستغلة وجوده عندها في البيت، وحاجته إليها في ظروف العبودية التي فُرضت عليه، ويقظة غرائز المراهقة في دمه وأعصابه، وعندما امتنع عليها لاحقته في محاولة منها للضغط عليه، ولما فاجأها زوجها بالموقف الشائن بادرت إلى اتهام يوسف بالاعتداء عليها، اعتقاداً منها بأن طبيعة الأمور في مثل هذه الحالات تفرض على زوجها تصديقها وتكذيب يوسف، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} لأنّ المرأة تملك من الوسائل الخفيّة، ما تستطيع به السيطرة على الموقف من أوسع السبل...