فإنها في غاية العجز { لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } ولا أنفسهم ينصرون ، فإذا كانوا لا يستطيعون نصرهم ، فكيف ينصرونهم ؟ والنصر له شرطان : الاستطاعة [ والقدرة ]{[758]} فإذا استطاع ، يبقى : هل يريد نصرة من عبده أم لا ؟ فَنَفْيُ الاستطاعة ، ينفي الأمرين كليهما .
{ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ } أي : محضرون هم وهم في العذاب ، ومتبرئ بعضهم من بعض ، أفلا تبرأوا في الدنيا من عبادة هؤلاء ، وأخلصوا العبادة للذي بيده الملك والنفع والضر ، والعطاء والمنع ، وهو الولي النصير ؟
ولقد كانوا يتخذون تلك الآلهة يبتغون أن ينالوا بها النصر . بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد أو يصيبها بسوء ، فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها : ( وهم لهم جند محضرون ) . . وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير . غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل . فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم ، لا يبعدون كثيراً عن عباد تلك الأصنام والأوثان . فهم جند محضرون للطغاة . وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم . ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين !
إن الوثنية هي الوثنية في شتى صورها . وحيثما اضطربت عقيدة التوحيد الخالص أي اضطراب جاءت الوثنية ، وكان الشرك ، وكانت الجاهلية ! ولا عصمة للبشرية إلا بالتوحيد الخالص الذي يفرد الله وحده بالألوهية . ويفرده وحده بالعبادة . ويفرده وحده بالتوجه والاعتماد . ويفرده وحده بالطاعة والتعظيم .
قال الله تعالى : { لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } أي : لا تقدر الآلهة على نصر{[24865]} عابديها ، بل هي أضعف من ذلك وأقل وأذل وأحقر وأدخر ، بل لا تقدر على الانتصار لأنفسها ، ولا الانتقام ممن أرادها بسوء ؛ لأنها جماد لا تسمع ولا تعقل .
وقوله : { وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ } : قال مجاهد : يعني : عند الحساب ، يريد أن هذه الأصنام محشورة مجموعة يوم القيامة ، محضرة عند حساب عابديها ؛ ليكون ذلك أبلغ في خِزْيهم ، وأدل عليهم في إقامة الحجة عليهم .
وقال قتادة : { لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } يعني : الآلهة ، { وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ } ، والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرًا ، ولا تدفع عنهم سوءا ، إنما هي أصنام .
وهكذا قال الحسن البصري . وهذا القول حسن ، وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.