{ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ } تقدرون على الخروج من ملكي وتنجون به من عذابي ، { فَكِيدُونِ } أي : ليس لكم قدرة ولا سلطان ، كما قال تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }
ففي ذلك اليوم ، تبطل حيل الظالمين ، ويضمحل مكرهم وكيدهم ، ويستسلمون لعذاب الله ، ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم
وقوله : { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي : إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي ، وتَنجُوا من حكمي فافعلوا ، فإنكم لا تقدرون على ذلك ، كما قال تعالى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] ، وقال تعالى : { وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا } [ هود : 57 ] وفي الحديث : " يا عبادي ، إنكم لن تَبلُغوا نَفْعِي فتنفعوني ، ولن تبلغوا ضري فتضروني " .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا حُصيَن بن عبد الرحمن ، عن{[29634]} حسان بن أبي المخارق ، عن أبي عبد الله الجَدَلي قال : أتيت بيت المقدس ، فإذا عُبادة بن الصامت ، وعبد الله بن عمرو ، وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس ، فقال عبادة : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين بصعيد واحد ، ينفذهم البصر ويُسمعهم الداعي ، ويقول الله : { هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأوَّلِينَ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } اليوم لا ينجو مني جبار عنيد ، ولا شيطان مريد . فقال عبد الله بن عمرو{[29635]} : فإنا نحدث يومئذ أنه يخرج عُنُق من النار فتنطلق حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت : أيها الناس ، إني بُعثتُ إلى ثَلاثَة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه ، لا يُغَيّبهم عني وَزَر ، ولا تُخفِيهم عني خافية : الذي جعل مع الله إلها آخر ، وكلّ جبار عنيد ، وكلّ شيطان مريد . فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة{[29636]} .
وقوله : هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ جَمَعْناكُمْ والأوّلِينَ يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث يوم يبعثون : هذا يوم الفصل الذي يَفْصل الله فيه بالحقّ بين عباده جَمَعْناكُمْ والأوّلِينَ يقول : جمعناكم فيه لموعدكم الذي كنا نعدكم في الدنيا الجمع فيه بينكم وبين سائر من كان قبلكم من الأمم الهالكة ، فقد وفّينا لكم بذلك فإنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ يقول : والله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا .
وفرع على ذلك { فإن كان لكم كيد فكيدون } ، أي فإن كان لكم كيد اليوم كما كان لكم في الدنيا ، أي كيد بديني ورسولي فافعلوه .
والأمر للتعجيز ، والشرط للتوبيخ والتذكير بسوء صنيعهم في الدنيا ، والتسجيل عليهم بالعجز عن الكيد يومئذٍ حيث مُكِّنوا من البحث عما عسى أن يكون لهم من الكيد فإذا لم يستطيعوه بعد ذلك فقد سُجل عليهم العجز . وهذا من العذاب الذي يعذَّبونه إذ هو من نوع العذاب النفساني وهو أوقع على العاقل من العذاب الجسماني .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
الله منجز لكم ما وعدكم في الدنيا من العقاب على تكذيبكم إياه بأنكم مبعوثون لهذا اليوم، إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يكون يقال لهم هذا في الآخرة: أن كيدوا حتى تنجوا بأنفسكم مما نزل بكم أي إن كانت لكم حيل تحتالون بها، فافعلوا، وهو حرف التقريع والتوبيخ يدل على نفي نفاذ المكر والحيلة، ليس ما عليه أمر الدنيا أنهم يحتالون، ويمكرون بأنواع الخداع والتمويهات.
ويحتمل أن قيل لكم هذا في الدنيا حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعارضهم بهذا، فيقول لهم: {فإن كان لكم كيد فكيدون} بقتلي أو إخراجي من بين أظهركم كما قال هود عليه السلام: {من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} [هود: 55].
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
توبيخ من الله تعالى وتقريع للكفار واظهار عجزهم عن الدفع عن أنفسهم فضلا عن أن يكيدوا غيرهم، وإنما هو على أنكم كنتم في دار الدنيا تعملون ما يغضبني، فالآن عجزتم عن ذلك وحصلتم على وبال ما عملتم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة.
يشير به إلى أنهم كانوا يدفعون الحقوق عن أنفسهم بضروب الحيل والكيد فكأنه قال: فهاهنا إن أمكنكم أن تفعلوا مثل تلك الأفعال المنكرة من الكيد والمكر والخداع والتلبيس فافعلوا، وهذا كقوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} ثم إنهم يعلمون أن الحيل منقطعة والتلبيسات غير ممكنة، فخطاب الله تعالى لهم في هذه الحالة بقوله: {فإن كان لكم كيد فكيدون}، نهاية في التخجيل والتقريع، وهذا من جنس العذاب الروحاني، فلهذا قال عقيبه: {ويل يومئذ للمكذبين}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
أشار إلى انقطاع الأسباب فقال مسبباً عن ذلك: {فإن كان لكم} أي أيها المكذبون على وجه هو ثابت من ذواتكم.
{كيد} أي مقاواة بنوع حيلة أو شدة.
{فكيدون} تقريع لهم على كيدهم لأوليائنا المؤمنين في الدنيا -بما مكنهم به من الأسباب وتنبيه على أنه من آذى وليه فقد آذنه بالحرب على أنهم عاجزون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فرع على ذلك {فإن كان لكم كيد فكيدون}، أي فإن كان لكم كيد اليوم كما كان لكم في الدنيا، أي كيد بديني ورسولي فافعلوه، والأمر للتعجيز، والشرط للتوبيخ والتذكير بسوء صنيعهم في الدنيا، والتسجيل عليهم بالعجز عن الكيد يومئذٍ حيث مُكِّنوا من البحث عما عسى أن يكون لهم من الكيد فإذا لم يستطيعوه بعد ذلك فقد سُجل عليهم العجز.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.