{ 42 - 46 } { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا }
أي : يسألك المتعنتون المكذبون بالبعث { عَنِ السَّاعَةِ } متى وقوعها و { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } فأجابهم الله بقوله :
وأخيرا يجيء الإيقاع الأخير في السورة هائلا عميقا مديدا :
( يسألونك عن الساعة : أيان مرساها ? فيم أنت من ذكراها ? إلى ربك منتهاها . إنما أنت منذر من يخشاها . كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) . .
وكان المتعنتون من المشركين يسألون الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] كلما سمعوا وصف أهوال الساعة وأحداثها وما تنتهي إليه من حساب وجزاء . . متى أو إيان موعدها . . أو كما يحكي عنهم هنا : ( أيان مرساها ? ) . .
ثم قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } أي : ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق ، بل مَردها ومَرجعها إلى الله عز وجل ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين ، { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ } [ الأعراف : 187 ] ، وقال هاهنا : { إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } ولهذا{[29689]} لما سأل جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . {[29690]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَىَ رَبّكَ مُنتَهَاهَآ * إِنّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا * كَأَنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوَاْ إِلاّ عَشِيّةً أَوْ ضُحَاهَا } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يسألك يا محمد هؤلاء المكذّبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتَى من قبورهم أيانَ مرساها ، متى قيامها وظهورها ؟ وكان الفرّاء يقول : إن قال قائل : إنما الإرساء للسفينة ، والجبال الراسية وما أشبههنّ ، فكيف وصَفَ الساعة بالإرساء ؟ قلت : هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست ، ورسوّها : قيامها قال : وليس قيامها كقيام القائم ، إنما هي كقولك : قد قام العدل ، وقام الحقّ : أي ظهر وثبت .
وقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة } الآية نزلت بسبب أن قريشاً كانت تلح في البعث عن وقت الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بها ويتوعدهم بها ويكثر من ذلك ، و : { أيان مرساها } معناه : متى ثبوتها ووقت رسوها أي ثبوتها كأنه يسر إلى غاية ما ثم يقف كما تفعل السفينة التي ترسو ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : «إيان » بكسر الألف
استئناف بياني منشؤه أن المشركين كانوا يسألون عن وقت حلول الساعة التي يتوعدهم بها النبي صلى الله عليه وسلم كما حكاه الله عنهم غير مرة في القرآن كقوله : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] .
وكان سؤالهم استهزاء واستخفافاً لأنهم عقدوا قلوبهم على استحالة وقوع الساعة وربما طلبوا التعجيل بوقوعها وأوهموا أنفسهم وأشياعهم أن تأخر وقوعها دليل على اليأس منها لأنهم يتوهمون أنهم إذا فعلوا ذلك مع الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان صادقاً لحَمِي غضب الله مُرسِله سبحانه فبادر بإراءتهم العذاب وهم يتوهمون شؤون الخالق كشؤون الناس إذا غضب أحدهم عجَّل بالانتقام طيشاً وحنقاً قال تعالى : { لو يؤاخذهم بما كسبوا لعَجّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً } [ الكهف : 58 ] .
فلا جرم لما قُضي حق الاستدلال على إمكان البعث بإقامة الدليل وضرب الأمثال ، وعرض بعقاب الذين استحقوا بها في قوله : { فإذا جاءت الطامة الكبرى } [ النازعات : 34 ] ، كان ذلك مثاراً لسؤالهم أن يقولوا : هل لمجيء هذه الطامة الكبرى وقت معلوم ؟ فكان الحال مقتضياً هذا الاستئناف البياني قضاء لحق المقام وجواباً عن سابق الكلام .
فضمير « يسألون » عائد إلى المشركين أصحاب القلوب الواجفة والذين قالوا : { أينا لمردودون في الحافرة } [ النازعات : 10 ] .
وحكي فعل السؤال بصيغة المضارع للدلالة على تجدد هذا السؤال وتكرره .
والساعة : هي الطامة فذكر الساعة إظهار في مقام الإِضمار لقصد استقلال الجملة بمدلولها مع تفنن في التعبير عنها بهذين الاسمين { الطامة } [ النازعات : 34 ] و { الساعة } .
و { أيان مرساها } جملة مبينة للسؤال .
و { أيّان } اسم يستفهم به عن تعيين الوقت .
والاستفهام مستعمل في الاستبعاد كنايةً وهو أيضاً كناية عن الاستحالة و { مرساها } مصدر ميمي لفعل أرسى ، والإِرساء : جعل السفينة عند الشاطىء لقصد النزول منها . واستعير الإِرساء للوقوع والحصول تشبيهاً للأمر المغيَّب حصوله بسفينة ماخرة البحر لا يُعرف وصولها إلا إذا رسَتْ ، وعليه ف { أيّان } ترشيح للاستعارة ، وتقدم نظير هذه في سورة الأعراف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.