بعد ذلك تجيء الهزة العنيفة بمشاهد الكون المتقلبة في يوم الفصل الذي هو الموعد المضروب للرسل لعرض حصيلة الرسالة في البشرية جميعا :
( فإذا النجوم طمست ، وإذا السماء فرجت ، وإذا الجبال نسفت ، وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت ? ليوم الفصل . وما أدراك ما يوم الفصل ? ويل يومئذ للمكذبين ) . .
يوم تطمس النجوم فيذهب نورها ، وتفرج السماء أي تشق ، وتنسف الجبال فهي هباء . . وقد وردت مشاهد هذا الانقلاب الكوني في سور شتى من القرآن . وكلها توحي بانفراط عقد هذا الكون المنظور ، انفراطا مصحوبا بقرقعة ودوي وانفجارات هائلة ، لا عهد للناس بها فيما يرونه من الأحداث الصغيرة التي يستهولونها ويرعون بها من أمثال الزلازل والبراكين والصواعق . . وما إليها . . فهذه أشبه شيء - حين تقاس بأهوال يوم الفصل - بلعب الأطفال التي يفرقعونها في الأعياد ، حين تقاس إلى القنابل الذرية والهيدروجينية ! وليس هذا سوى مثل للتقريب . وإلا فالهول الذي ينشأ من تفجر هذا الكون وتناثره على هذا النحو أكبر من التصور البشري على الإطلاق !
وقوله : فإذَا النّجُومُ طُمِسَتْ يقول : فإذا النجوم ذهب ضياؤها ، فلم يكن لها نور ولا ضوء وَإذَا السّماءُ فُرِجَتْ يقول : وإذا السماء شقّقت وصدّعت وَإذَا الجِبالُ نُسِفَتْ يقول : وإذا الجبال نسفت من أصلها ، فكانت هباء منبثا وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ يقول تعالى ذكره : وإذا الرسل أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ يقول : جمعت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أُقّتَتْ قال : أُجّلَتْ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد وَإذَا الرّسُلِ أُقّتَتْ قال : أجلت .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، جميعا عن سفيان ، عن منصور عن إبراهيم وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ قال : أُوعِدَت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ قال : أقتت ليوم القيامة ، وقرأ : يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ قال : والأجل : الميقات ، وقرأ : يسْئَلونَك عَنِ الأهِلّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ للنّاسِ وَالحَجّ ، وقرأ : إلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ قال : إلى يوم القيامة ، قال : لهم أجل إلى ذلك اليوم حتى يبلغوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : وَإذَا الرّسُلُ أُقّتَتْ قال : وعدت .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة غير أبي جعفر ، وعامة قرّاء الكوفة : أُقّتَتْ بالألف وتشديد القاف ، وقرأه بعض قرّاء البصرة بالواو وتشديد القاف : «وُقّتَتْ » وقرأه أبو جعفر : «وُقِتَتْ » بالواو وتخفيف القاف .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن كل ذلك قراءات معروفات ولغات مشهورات بمعنى واحد ، فبأيتها قرأ القارىء فمصيب ، وإنما هو فُعّلَتْ من الوقت ، غير أن من العرب من يستثقل ضمة الواو ، كما يستثقل كسرة الياء في أوّل الحرف فيهمزها ، فيقول : هذه أجوه حسان بالهمزة ، وينشد بعضهم :
يَحُل أحِيدَهُ ويُقالُ بَعْلٌ *** ومِثْلُ تَمَوّلٍ مِنْهُ افْتِقارُ
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فإذا النجوم ذهب ضياؤها، فلم يكن لها نور ولا ضوء.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فكأنه، والله أعلم، لما نزل قوله تعالى: {إنما توعدون لواقع} سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت وقوعه: متى يكون؟ فنزل: {فإذا النجوم طمست} فأشار إلى الأحوال التي يومئذ لا إلى نفس الوقت.
{طمست} أي ذهب ضوءها ونورها، ثم تناثرت.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه محيت آثارها وذهب نورها، والطمس: محو الأثر الدال على الشيء، فالطمس على النجوم كالطمس على الكتاب، لأنه يذهب نورها والعلامات التي كانت تعرف بها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «طمس النجوم»: إزالة ضوئها واستوائها مع سائر جرم السماء.
يحتمل أن يكون المراد محقت ذواتها، وهو موافق لقوله: {انتثرت، و انكدرت} وأن يكون المراد محقت أنوارها، والأول أولى، لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار.
ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
بعد ذلك تجيء الهزة العنيفة بمشاهد الكون المتقلبة في يوم الفصل الذي هو الموعد المضروب للرسل لعرض حصيلة الرسالة في البشرية جميعا:
(فإذا النجوم طمست، وإذا السماء فرجت، وإذا الجبال نسفت، وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت؟ ليوم الفصل. وما أدراك ما يوم الفصل؟ ويل يومئذ للمكذبين)..
يوم تطمس النجوم فيذهب نورها، وتفرج السماء أي تشق، وتنسف الجبال فهي هباء.. وقد وردت مشاهد هذا الانقلاب الكوني في سور شتى من القرآن. وكلها توحي بانفراط عقد هذا الكون المنظور انفراطا مصحوبا بقرقعة ودوي وانفجارات هائلة، لا عهد للناس بها فيما يرونه من الأحداث الصغيرة التي يستهولونها ويرعون بها من أمثال الزلازل والبراكين والصواعق.. وما إليها.. فهذه أشبه شيء -حين تقاس بأهوال يوم الفصل- بلعب الأطفال التي يفرقعونها في الأعياد، حين تقاس إلى القنابل الذرية والهيدروجينية! وليس هذا سوى مثل للتقريب. وإلا فالهول الذي ينشأ من تفجر هذا الكون وتناثره على هذا النحو أكبر من التصور البشري على الإطلاق!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الفاء للتفريع على قوله: {إن ما توعدون لواقع} [المرسلات: 7] لأنه لما أفاد وقوع البعث وكان الخاطبون ينكرونه ويتعللون بعدم التعجيل بوقوعه، بُيّن لهم ما يحصل قبله زيادة في تهويله عليهم. والإِنذار بأنه مؤخّر إلى أن تحصل تلك الأحداث العظيمة، وفيه كناية رمزية على تحقيق وقوعه لأن الأخبار عن أمارات حلول ما يوعدون يستلزم التحذير من التهاون به، ولذلك ختمت هذه الأخبار بقوله: {ويل يومئذٍ للمكذبين} [المرسلات: 19].
وكررت كلمة {إذَا} في أوائل الجمل المعطوفة على هذه الجملة بعد حروف العطف مع إغناء حرف العطف عن إعادة {إذا} كما في قوله: {فإذا برق البصر وخَسَف القمر وجُمع الشمس والقمر يقول الإِنسان} الآية [القيامة: 7-10]، لإِفادة الاهتمام بمضمون كل جملة من هذه الجمل ليكون مضمونها مستقلاً في جعله علامة على وقوع ما يوعدون.
وطَمْسُ النجوم: زوال نورها، وأن نور معظم ما يلوح للناس من النجوم سببه انعكاس أشعة الشمس عليها حين احتجاب ضوء الشمس على الجانب المُظلم من الأرض، فطمس النجوم يقتضي طمس نور الشمس، أي زوَال التهابها بأن تبرد حرارتها، أو بأن تعلو سطحها طبقة رمادية بسبب انفجارات من داخلها، أو بأن تتصادم مع أجرام سماوية أخرى لاختلال نظام الجاذبية فتندك وتتكسر قِطعاً فيزول التهابها.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.