{ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى } الغيب ويخبر به ، أم هو متقول على الله ، متجرئ على الجمع بين الإساءة والتزكية{[907]} كما هو الواقع ، لأنه قد علم أنه ليس عنده علم من الغيب ، وأنه لو قدر أنه ادعى ذلك فالإخبارات القاطعة عن علم الغيب التي على يد النبي المعصوم ، تدل على نقيض قوله ، وذلك دليل على بطلانه .
{ أَعِندَهُ عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى } أى : أعند هذا الإنسان الذى أعرض عن الرشد ، علم الغيوب المستترة عن الأعين والنفوس ، فهو وحده يراها ، ويطلع عليها ويعلم أن فى إمكان الغير أن يحمل عنه أوزاره وذنوبه يوم القيامة .
كلا ، إنه لا علم عنده بشىء من ذلك ، وإنما هو قد ارتد على أعقابه ، لانطماس بصيرته . بعد أن قارب الرشد والصواب .
فالاستفهام فى قوله : { أَعِندَهُ عِلْمُ الغيب . . . } للنفى والإنكار .
وقدم - سبحانه - الظرف " عنده " وهو مسند ، على " علم الغيب " وهو مسند إليه ، فإفادة الاهتمام بهذه العندية التى من أعجب العجب ادعاؤها ، وللإشعار بأنه بعيد عنها بعد الأرض عن السماء .
والفاء فى قوله : { فَهُوَ يرى } للسببية ، ومفعول { يرى } محذوف .
أى : فهو بسبب معرفته للعوالم الغيبية ، يبصر رفع العذاب عنه ، ويعلم أن غيره سيتكفل بافتدائه من هذا العذاب .
الفاء لتفريع الاستفهام التعجيبي على قوله { ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } إذ كان حال هذا الذي تولى وأعطى قليلا وأكدا جهلا بأن للإنسان ما سعى وقد حصل في وقت نزول الآية المتقدمة أو قبلها حادث أنبأ عن سوء الفهم لمراد الله من عباده مع أنه واضح لمن صرف حق فهمه . ففرع على ذلك كله تعجيب من انحراف أفهامهم
فالذي تولى وأعطى قليلا هو هنا ليس فريقا مثل الذي عناه قوله { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } بل هو شخص بعينه . واتفق المفسرون والرواة على أن المراد به هنا معين ولعل ذلك وجه التعبير عنه بلفظ { الذي } دون كلمة { من } لأن { الذي } أظهر في الإطلاق على الواحد المعين دون لفظ { من } . واختلفوا في تعيين هذا { الذي تولى وأعطى قليلا } فروى الطبري والقرطبي عن مجاهد وابن زيد أن المراد به الوليد بن المغيرة قالوا : كان يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويستمع إلى قراءته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظه فقارب أن يسلم فعاتبه رجل من المشركين { لم يسموه } وقال : لم تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار كان ينبغي أن تنصرهم فكيف يفعل بآبائك فقال : { إني خشيت عذاب الله } فقال : { اعطني شيئا وأنا أحمل عنك كل عذاب كان عليك } فأعطاه { ولعل ذلك كان عندهم التزاما يلزم ملتزمه وهم لا يؤمنون بجزاء الآخرة فلعله تفادى من غضب الله في الدنيا ورجع إلى الشرك } ولما سأله الزيادة بخل عنه وتعاسر وأكدى
وروى القرطبي عن السدي : أنها نزلت في العاصي بن وائل السهمي وعن محمد بن كعب : نزلت في أبي جهل وعن الضحاك : نزلت في النضر بن الحارث
ووقع في أسباب النزول للواحدي والكشاف أنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي السرح حين صد عثمان بن عفان عن نفقة في الخير كان ينفقها « أي قبل أن يسلم عبد الله بن سعد » رواه الثعلبي عن قوم . قال ابن عطية : وذلك باطل وعثمان منزه عن مثله, أي عن أن يصغي إلى أنه تولى عن النظر في الإسلام بعد أن قاربه
والاستفهام في { أعنده علم الغيب } إنكاري على توهمه أن استئجار أحد ليتحمل عنه عذاب الله ينجيه من العذاب أي ما عنده علم الغيب . وهذا الخبر كناية عن خطئه فيما توهمه
والجملة استئناف بياني للاستفهام التعجيبي من قوله { أفرأيت الذي تولى } الخ
وتقديم { عنده } وهو مسند على { علم الغيب } وهو مسند إليه للاهتمام بهذه العندية العجيب ادعاؤها والإشارة إلى بعده عن هذه المنزلة
وعلم الغيب : معرفة العوالم المغيبة أي العلم لاصل من أدلة فكأنه شاهد الغيب بقرينة قوله { فهو يرى }
وفرع على هذا التعجيب قوله { فهو يرى } أي فهو يشاهد أمور الغيب بحيث عاقد على التعارض في حقوقها . والرؤية في قوله { فهو يرى } بصرية ومفعولها محذوف والتقدير : فهو يرى الغيب
والمعنى : أنه آمن نفسه من تبعة التولي عن الإسلام ببذل شيء لمن تحمل عنه تبعة توليه كأنه يعلم الغيب ويشاهد أن ذلك يدفع عنه العقاب فقد كان فعله ضغثا على إبالة لأنه ظن أن التولي جريمة وما بذل المال إلا لأنه توهم أن الجرائم تقبل الحمالة في الآخرة
وتقديم الضمير المسند إليه على فعله المسند دون أن يقول : فيرى لإفادة تقوي الحكم نحو : هو يعطي الجزيل . وهذا التقوي بناء على ما أظهر من اليقين بالصفقة التي عاقد عليها وهو أدخل في التعجيب من حاله
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.