{ 56 - 57 } { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا }
أي : اذكر في الكتب{[510]} على وجه التعظيم والإجلال ، والوصف بصفات الكمال . { إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } جمع الله له بين الصديقية ، الجامعة للتصديق التام ، والعلم الكامل ، واليقين الثابت ، والعمل الصالح ، وبين اصطفائه لوحيه ، واختياره لرسالته .
{ واذكر فِي الكتاب إِدْرِيسَ . . . } .
قال الآلوسى : ما ملخصه : " وإدريس هو نبى قبل نوح وبينهما ألف سنة وهو أخنوح ابن يرد . . . بن شيث بن آدم . وهو أول من نظر فى النجوم والحساب ، وأول رسول بعد آدم . . . " .
أى : واذكر - أيضاً - فى الكتاب خبر إدريس - عليه السلام - . إنه كان ملازماً للصدق ، وكان ممن شرفناهم بالنبوة .
وهذا{[18906]} ذكر إدريس ، عليه السلام ، بالثناء عليه ، بأنه{[18907]} كان صديقًا نبيًّا ، وأن الله رفعه مكانًا عليًّا . وقد تقدم في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة .
وقد روى ابن جرير هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا ، فقال : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن شَمِر بن عطية ، عن هلال بن يساف قال : سأل ابن عباس كعبًا ، وأنا حاضر ، فقال له : ما قول الله - عز وجل - لإدريس : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم ، فأحب أن يزداد عملا{[18908]} فأتاه خليل له من الملائكة فقال : إن الله أوحى إليّ كذا وكذا ، فكلم لي{[18909]} ملك الموت ، فَلْيؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه ، حتى صعد به إلى السماء ، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم مَلَك الموت منحدرًا ، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس ، فقال : وأين إدريس ؟ فقال : هو ذا على ظهري . قال ملك الموت : فالعجب ! بعثت وقيل لي : اقبض روح إدريس في السماء الرابعة " . فجعلت أقول : كيف{[18910]} أقبض روحه في السماء الرابعة ، وهو في الأرض ؟ فقبض روحه هناك ، فذلك{[18911]} قول الله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا }{[18912]} .
هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات ، وفي بعضه نكارة ، والله أعلم .
وقد رواه{[18913]} ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن ابن عباس : أنه سأل كعبًا ، فذكر نحو ما تقدم ، غير أنه قال لذلك الملك : هل لك أن تسأله - يعني : ملك الموت - كم بقي من أجلي لكي أزداد من العمل وذكر باقيه{[18914]} ، وفيه : أنه لما سأله عما بقي من أجله ، قال{[18915]} : لا أدري حتى أنظر ، ثم نظر ، قال : إنك تسألني{[18916]} عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين ، فنظر الملك{[18917]} تحت جناحه إلى إدريس ، فإذا{[18918]} هو قد قبض ، عليه السلام ، وهو لا يشعر به .
ثم رواه من وجه آخر عن ابن عباس : أن إدريس كان خياطًا ، فكان{[18919]} لا يغرز إبرة إلا قال : " سبحان الله " ، فكان يمسي حين يمسي{[18920]} وليس في الأرض أحد أفضل عملا منه . وذكر بقيته كالذي قبله ، أو نحوه .
وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد في قوله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قال : إدريس رفع ولم يمت ، كما رفع عيسى .
وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قال : [ رفع إلى ]{[18921]} السماء الرابعة .
وقال العوفي عن ابن عباس : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قال : رفع إلى السماء السادسة فمات بها . وهكذا قال الضحاك بن مُزَاحم .
وقال الحسن ، وغيره ، في قوله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قال : الجنة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد في كتابنا هذا إدريس "إنّهُ كانَ صِدّيقا "لا يقول الكذب، "نَبِيّا" نوحي إليه من أمرنا ما نشاء.
"وَرَفَعْناهُ مَكانا عَلِيّا"... يعني به إلى مكان ذي علوّ وارتفاع...
حدثنا عليّ بن سهيل، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره «شكّ أبو جعفر الرازي» قال: لما أسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم صعد به جبريل إلى السماء الرابعة، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معه؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل، قال: هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا..
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يقول الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) "اذكر في الكتاب "الذي هو القرآن "إدريس" واخبر انه كان كثير التصديق بالحق، وكان "نبيا" معظما مبجلا مؤيدا بالمعجزات الباهرة...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الصِّدِّيق كثير الصدق، لا يشوب صدقه مَذْقٌ، ويكون قائماً بالحقِّ للحق، ولا يكون فيه نَفَسٌ لغير الله.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وهذا ذكر إدريس، عليه السلام، بالثناء عليه، بأنه كان صديقًا نبيًّا، وأن الله رفعه مكانًا عليًّا. وقد تقدم في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
... {واذكر في الكتاب} أي الجامع لكل ما يحتاج إليه من القصص المتقدمين والمتأخرين {إدريس}... {إنه كان صديقاً} أي صادقاً في أقواله وأفعاله، ومصدقاً بما أتاه عن الله من آياته على ألسنة الملائكة {نبياً} ينبئه الله تعالى بما يوحيه إليه من الأمر العظيم، رفعة لقدره، فينبئ به الناس الذين أرسل إليهم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: اذكر في الكتب على وجه التعظيم والإجلال، والوصف بصفات الكمال. {إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} جمع الله له بين الصديقية، الجامعة للتصديق التام، والعلم الكامل، واليقين الثابت، والعمل الصالح، وبين اصطفائه لوحيه، واختياره لرسالته...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
تلك أخبار النبيين تذكر لما فيها من عبرة، ولما فيها من دعوة إلى الاقتداء بهم وسلوك طريقهم، فهم أسوة الأبرار، وطريقهم هو طريق الأخبار، وإذا كان طريق إبليس طريق الأشرار، فطريقهم هو طريق الأخيار الكتاب هو القرآن كما أشرنا من قبل، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وقد وصف الله تعالى في هذه الآية إدريس بثلاث صفات: الوصف الأول والثاني: {إنه كان صديقا نبيا}، فهو صديق لا يقول إلا حقا، ويصدق الحق وينفذه ولا يتردد في تنفيذه ومعه الإذعان له من غير تململ، بل باطمئنان ورضا وقبول، وكان نبيا قد كلف بتبليغ رسالة به. الوصف الثالث: أن الله تعالى رفعه منزلة عالية، وقد عبر سبحانه وتعالى من ذلك بقوله: {ورفعناه مكانا عليا}، والرفعة هنا معنوية، والمكان المراد به منزلة عليا، وقد زعم بعض المفسرين أن ذكر المكان يدل على أنها رفعة مادية، ولا نرى وجها لتخصيص ذكر المكان بالرفعة الحسية، فإن ذلك تخصيص من غير مخصّص قام الدليل عليه، وإنما نقول: إنها نعمة من الله تعالى على عبده ونبيّه الصديق الأمين لأمر اقتضى ذلك في علمه المكنون، ولم يبينه لنا فحق علينا أن نقول ما نعلمه، ونسلم بصدق ما لم نعلمه، والله هو العليم المحيط بكل شيء علما.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.