{ 22 - 26 } { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ }
أي إذا أحضروا يوم القيامة ، وعاينوا ما به يكذبون ، ورأوا ما به يستسخرون ، يؤمر بهم إلى النار ، التي بها كانوا يكذبون ، فيقال : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا } أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصي { وَأَزْوَاجَهُمْ } الذين من جنس عملهم ، كل يضم إلى من يجانسه في العمل .
{ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } من الأصنام والأنداد التي زعموها ، .
ثم بين - سبحانه - حكمه العادل فيهم ، وصور أحوالهم البائسة تصويرا تقشعر من هوله الجلود ، وحكى جانبا من حسراتهم خلال تساؤلهم فيما بينهم فقال - تعالى - :
قوله - تعالى - : { احشروا } من الحشر بمعنى الجمع مع السوق يقال : حشر القائد جنده حشرا - من باب قتل - إذا جمعهم . والمحشر : المكان الذى يجتمع فيه الخلائق .
والمراد بالذين ظلموا : المشركون الذين أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ومن الآيات التى وردت وأطلق فيها الظلم على الشرك والكفر ، قوله - تعالى - : { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } وقوله - سبحانه - { والكافرون هُمُ الظالمون } وقد ثبت فى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم فسر الظلم بالشرك فى قوله - تعالى - : { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } والمراد بأزواجهم : أشباههم ، ونظراؤهم وأمثالهم فى الشرك والكفر ، وهذا التفسير مأثور عن عدد من الصحابة والتابعين ، منهم عمر بن الخطاب ، والنعمان بن بشير ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ومجاهد ، وأبو العالية .
وقيل المراد بأزواجهم . قرناؤهم من الشياطين ، بأن يحشر كل كافر مع شيطانه .
وقيل المراد بهم : نساؤهم اللائى كن على دينهم ، بأن كن مشركات فى الدنيا كأزواجهن ، ويبدو لنا أن جميع من ذكروا محشور . والعياذ بالله . إلى جهنم . إلا أن تفسير الأزواج هنا : بالأشباه والنظائر والأصناف أولى ، خصوصا وأن إطلاق الأزواج على الأصناف والأشباه جاء كثيرا فى القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - : { سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } والمراد بما كانوا يعبدونه : الآلهة الباطلة التى كانوا فى الدنيا يعبدونها من دون الله ، كالأصنام والأوثان .
والأمر من الله - تعالى - للملائكة فى هذا اليوم الشديد ، وهو يوم القيامة .
أى : احشروا واجمعوا الذين كانوا مشركين فى الدنيا ، واجمعوا معهم كل من كان على شاكلتهم فى الكفر والضلال ، ثم اجمعوا معهم - أيضا - آلهتهم الباطلة التى عبدوها من دون الله - تعالى - ثم ألقوا بها جميعا فى جهنم ، ليذوقوا سعيرها وحرها .
وفى حشر الآلهة الباطلة مع عابديها ، زيادة تحسؤر وتخجيل لهؤلاء العابدين لأنهم رأوا بأعينهم بطلان وخسران ما كانوا يفعلونه فى الدنيا .
ويأمر الله الملائكة أن تُميزَ الكفار من المؤمنين في الموقف في محشرهم ومنشرهم . ولهذا قال تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ }قال النعمان بن بشير{[24926]} رضي الله عنه ، يعني بأزواجهم أشباههم وأمثالهم . وكذا قال ابن عباس ، وسعيد بن جُبَيْر ، وعِكْرِمة ومجاهد ، والسُّدِّي ، وأبو صالح ، وأبو العالية ، وزيد بن أسلم [ وغيرهم ]{[24927]} .
وقال سفيان الثوري ، عن سمَاك ، عن النعمان بن بشير ، {[24928]} عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } قال إخوانهم :{[24929]} .
وقال شريك ، عن سماك ، عن النعمان قال : سمعت عمر يقول { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } قال : أشباههم قال : يجيء صاحب الربا مع أصحاب الربا ، وصاحب{[24930]} الزّنا مع أصحاب الزّنا ، وصاحب{[24931]} الخمر مع أصحاب الخمر ، وقال خُصَيْف ، عن مِقْسَم ، عن ابن عباس : { أَزْوَاجَهُمْ } : نساءهم . وهذا غريب ، والمعروف عنه الأول ، كما رواه مجاهد وسعيد بن جبير ، عنه : { أَزْوَاجَهُمْ } : قُرَناءهم{[24932]} .
{ وما كانوا يعبدون من دون الله } أي : من الأصنام والأنداد ، تحشر معهم في أماكنهم . وقوله : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } أي : أرشدوهم إلى طريق جهنم ، وهذا كقوله تعالى : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } [ الإسراء : 97 ] .
تخلُّص من الإِنذار بحصول البعث إلى الإِخبار عما يحلّ بهم عقبه إذا ثبتوا على شركهم وإنكارهم البعث والجزاء .
و { احْشُرُوا } أمر ، وهو يقتضي آمراً ، أي ناطقاً به ، فهذا مقول لقول محذوف لظهور أنه لا يصلح للتعلق بشيء مما سبقه ، وحَذْفُ القول من حديث البحر ، وظاهر أنه أمر من قبل الله تعالى للملائكة الموكّلين بالناس يوم الحساب .
والحشر : جمع المتفرقين إلى مكان واحد .
و { الذين ظلموا } : المشركون { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .
والأزواج ظاهره أن المراد به حلائلهم وهو تفسير مجاهد والحسن . وروي عن النعمان بن بشير يرويه عن عمر بن الخطاب وتأويله : أنهن الأزواج الموافقات لهم في الإِشراك ، أما من آمن فهن ناجيات من تبعات أزواجهن وهذا كذكر أزواج المؤمنين في قوله تعالى : { هم وأزواجهم في ظلال } [ يس : 56 ] فإن المراد أزواجهم المؤمنات فأطلق حملاً على المقيّد في قوله : { ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم } [ الرعد : 23 ]
وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإِنذار لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن . وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } في سورة [ البقرة : 178 ] .
وقيل : الأزواج : الأصناف ، أي أشياعهم في الشرك وفروعه قاله قتادة وهو رواية عن عمر بن الخطاب وابن عباس .
وعن الضحاك : الأزواج المقارنون لهم من الشياطين .
وضمير { يَعْبُدُونَ } عائد إلى { الذين ظلموا وأزواجَهُم } . ومَا صدَقُ { ما } غير العقلاء ، فأما العقلاء فلا تزِرُ وازرة وزر أخرى .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{احشروا الذين ظلموا}: الذين أشركوا من بني آدم.
{وأزواجهم} قرناءهم من الشياطين الذين أظلوهم وكل كافر مع شيطان في سلسلة واحدة {وما كانوا يعبدون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذُكر عما ترك، وهو: فيقال:"احشروا الذين ظلموا"، ومعنى ذلك: اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه وأزواجهم وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة... عن عمر بن الخطاب "احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ "قال: ضُرَباءهم...
عن ابن عباس "احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ "يقول: نظراءهم... يعني: أتباعهم، ومن أشبههم من الظلمة... عن مجاهد، قوله: "وأزْوَاجَهُمْ" قال: أمثالهم.
وقوله: "وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ" يقول تعالى ذكره: احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، فوجّهوهم إلى طريق الجحيم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يأمر الملائكة أن يجمعوا بين من كانوا يجتمعون في هذه الدنيا، ويستحبون الاجتماع معهم، أن يجمعوا في عذاب الآخرة على ما كانوا يستحبّون الاجتماع في الملاهي والطرب في هذه الدنيا، ويجتمعون على ذلك، فعلى ذلك تجمع بين أولئك وبين قرنائهم جهنم، ويقرن بعضهم إلى بعض في العذاب كقوله: {ومن يعشُ عن ذكر الرحمان نُقيّض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف: 36].
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أراد بأزواجهم...من أعانهم على ظلمهم بقليل أو كثير.. وكذلك في هذه الطريقة: من أعان صاحبَ فترة في فترته، أو صاحب زَلة على زلته -كان مُشركاً له في عقوبته، واستحقاق طرده وإهانته.
البحث الثالث: أن الله أمر الملائكة بحشر ثلاثة أشياء: الظالمين، وأزواجهم، والأشياء التي كانوا يعبدونها، وفيه فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى قال: {احشروا الذين ظلموا} ثم ذكر من صفات الذين ظلموا كونهم عابدين لغير الله؛ وهذا يدل على أن الظالم المطلق هو الكافر وذلك يدل على أن كل وعيد ورد في حق الظالم فهو مصروف إلى الكفار، ومما يؤكد هذا قوله تعالى: {والكافرون هم الظالمون}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فبينما هم في هذا التأسف، إذ برز النداء بما يهدئ قواهم، ويقر قلوبهم وكلاهم، لمن لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون من الملائكة الشداد الغلاظ بإذلالهم وإصغارهم، ولبيان السرعة لذلك من غير تنفيس أسقط ما يدل على النداء من نحو قوله: فقيل للملائكة، أو فقلنا، أو فبرز النداء من جانب سلطاننا -ونحو هذا: {احشروا} أي اجمعوا بكره وصغار وذل، أيها الموكلون بالعباد من الأجناد، وأظهر تعريفاً بوصفهم الموجب لحتفهم فقال: {الذين ظلموا} أي بما كانوا فيه في الدنيا بوضع الأشياء في غير محالها من الخبط الذي لا يفعله إلا من هو في أشد الظلام.
{وما كانوا} أي بما دعتهم إليه طباعاتهم المعوجة.
{يعبدون} أي مواظبين على عبادته رجاء منفعته تحقيقاً لخسارتهم بتحقق اعتمادهم على غير معتمد، وهو يعم المعبود حقيقة أو مجازاً بالتزيين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الحشر: جمع المتفرقين إلى مكان واحد، وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإِنذار؛ لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن، وذلك مثل تخصيصهن بالذكر في قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} في سورة [البقرة: 178].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
ذكر الأزواج بالإضافة إليهم، على أساس ما هو الغالب من انحراف المرأة تبعاً لانحراف الرجل، أو انحراف العائلة تبعاً لانحراف رأسها، ما يجعل الموقف واحداً والمصير مشتركاً.