ثم بين - سبحانه - سنته التى لا تتخلف فقال : { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ذكرى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } .
وقوله : { ذكرى } مفعول لأجله ، فيكون المعنى : لقد اقتضت سنتنا وعدالتنا ، أننا لا نهلك قرية من القرى الظالم أهلها ، إلا بعد أن نرسل فى أهل تلك القرى رسلا منذرين ، لكى يذكروهم بالدين الحق . . . وليس من شأننا أن نكون ظالمين لأحد ، بل من شأننا العدالة والإنصاف ، وتقديم النصيحة والإرشاد والإنذار للفاسقين عن أمرنا ، قبل أن ننزل بهم عذابنا .
وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } وقوله - سبحانه - : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ في أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }
ثم يخوفهم بأن الإنذار مقدمة الهلاك . وأن رحمة الله ألا يهلك قرية حتى يبعث فيها رسولا ، يذكرها بدلائل الإيمان :
( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون . ذكرى . وما كنا ظالمين ) . .
ولقد أخذ الله على البشر عهد الفطرة أن يوحدوه ويعبدوه . والفطرة بذاتها تحس بوجود الخالق الواحد ما لم تفسد وتنحرف . وبث دلائل الإيمان في الكون ، كلها يوحي بوجود الخالق الواحد . فإذا نسي الناس عهد الفطرة ؛ وأغفلوا دلائل الإيمان ، جاءهم نذير يذكرهم ما نسوا ، ويوقظهم إلى ما أغفلوا . فالرسالة ذكرى تذكر الناسين وتوقظ الغافلين . زيادة في العدل والرحمة ( وما كنا ظالمين )في أخذ القرى بعد ذلك بالعذاب والهلاك . فإنما هو جزاء النكسة عن خط الهدى ومنهج اليقين .
ثم قال الله تعالى مخبرًا عن عدله في خلقه : أنَّه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم ، والإنذار لهم وبعثة الرسل إليهم وقيام الحجج عليهم ؛ ولهذا قال : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ . ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } كما قال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } [ الإسراء : 15 ] ، وقال تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا{[4]} ] وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [ القصص : 59 ] .
تذكير لقريش بأن القرى التي أهلكها الله والتي تقدم ذكرها في هذه السورة قد كان لها رسل ينذرونها عذاب الله ليقيسوا حالتهم على أحوال الأمم التي قبلهم .
والاستثناء من أحوال محذوفة . والتقدير : وما أهلكنا من قرية في حال من الأحوال إلا في حال لها منذرون . وعُرّيت جملة الحال عن الواو استغناء عن الواو بحرف الاستثناء ، ولو ذكرت الواو لجاز كقوله في سورة الحجر ( 4 ) { إلا ولها كتاب معلوم } وعبّر عن الرسل بصفة الإنذار لأنه المناسب للتهديد بالإهلاك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.