اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} (208)

قوله : { إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ } يجوز أن تكون الجملة صفة ل «قَرْيَةٍ »{[37995]} وأن تكون حالاً منها . وسوغ{[37996]} ذلك سبق النفي{[37997]} . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف عزلت الواو عن الجملة بعد «إلاَّ » ولم تعزل عنها في قوله : { وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ } [ الحجر : 4 ] ؟ قلت : الأصل عزل الواو ، لأنَّ الجملة صفة ل «قَرْيَةٍ » وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة{[37998]} بالموصوف ، كما في قوله{[37999]} : { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }{[38000]} [ الكهف : 22 ] . قال أبو حيان : ولو قدرنا «لَهَا مُنْذِرُونَ » جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد ( إلاَّ ) ، ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد «إلاَّ » معتمدة على أداة الاستثناء{[38001]} ، نحو : مَا جَاءَنِي أحدٌ إلاَّ رَاكِبٌ ، وإذا سمع مثل هذا خرّجوه على البدل ، أي : إلاَّ رجل راكب ، ويدل على صحة هذا المذهب أنَّ العرب تقول : ما مررت بأحدٍ إلاَّ قائماً ولا يحفظ عنهم «إِلاَّ قَائِم » يعني : بالجر ، فلو كانت الجملة صفة بعد «إلاَّ » ( لَسُمِعَ الجَرُّ ){[38002]} في هذا{[38003]} .

وأيضاً{[38004]} فلو كانت الجملة صفة للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد «إِلاَّ » . يعني نحو : مَا مَرَرْتُ بِزَيْدٍ إِلاَّ العَاقِلِ .

ثم قال : فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة{[38005]} جاءت الصفة بعد «إلاَّ » نحو : ما جاءني أحدٌ إلاَّ زيدٌ خيرٌ من عمرٍو ، والتقدير : ما جاءني أحدٌ خيرٌ من عمرٍو إلاَّ زيدٌ .

وأمَّا كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف فغير معهود في عبارة النحويين ، لو قلت : جاءني رجلٌ وعاقلٌ . لم يجز ، وإنما تدخل الواو في الصفات جوازاً إذا عطف{[38006]} بعضها على بعض وتغاير مدلولها ، نحو : «مَرَرْتُ بِزَيْدٍ الشجاع والشاعر »{[38007]} .

وأما { وثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] فتقدم الكلام عليه{[38008]} .

قال شهاب الدين : أما كون الصفة لا تقع بعد ( إلاَّ ) معتمدةً فالزمخشري يختار غير هذا ، فإنَّها مسألة خلافية{[38009]} ، وأما كونه لم يقل ( إلاَّ قائماً ) بالنصب دون «قَائِم » بالجر فذلك{[38010]} على أحد الجائزين ، وليس فيه دليل على المنع من قسيمه . وأما قوله : فغير معهود في كلام النحويين . فممنوع ، هذا ابن جنِّي نصَّ عليه في بعض كتبه{[38011]} ، وأما{[38012]} إلزامه أنها لوكانت الجملة صفة بعد ( إلاَّ ) للنكرة ، لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد ( إلاَّ ) فغير لازم ، لأنَّ ذلك مختص بكون الصفة جملة ، وإذا كانت جملة تعذر كونها صفة للمعرفة ، وإنَّما اختص ذلك بكون الصفة جملة ، لأنها لتأكيد وصل الصفة والتأكيد لائق بالجمل .

وأمَّا قوله : لو قلت : جاءني رجلٌ وعاقلٌ . لم يجز ، فمسلَّم ، ولكن إنما امتنع ذلك في الصفة المفردة لئلا يلبس أن الجائي اثنان : رجلٌ وآخر عاقلٌ ، بخلاف كونها جملة فإنَّ اللبس منتفٍ ، وقد تقدم ( الكلام في ){[38013]} { سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ }{[38014]} [ الكهف : 22 ] .


[37995]:انظر نص الزمخشري الآتي.
[37996]:في ب: ومسوغ.
[37997]:انظر البحر المحيط 7/44.
[37998]:في الأصل: الصلة.
[37999]:قوله: سقط من ب.
[38000]:[الكهف: 22] الكشاف 3/128-129.
[38001]:أي: مقصوداً بها وصف ما قبل (إلا).
[38002]:ما بين القوسين في ب: سمع الجر أيضاً.
[38003]:يعني في المفرد، وهو قولهم: ما مررت بأحد إلا قائماً، فكان يقال: قائم أيضاً.
[38004]:وأيضاً: سقط من ب.
[38005]:في ب: الإعادة. وهو تحريف.
[38006]:في ب: عطفت.
[38007]:في ب: وبالشاعر. وهو تحريف.
[38008]:البحر المحيط 7/44 بتصرف يسير وانظر أيضاً 6/114-115.
[38009]:انظر شرح المفصل 2/93.
[38010]:في ب: فذاك.
[38011]:لم أهتد إليه في الخصائص أو في سر صناعة الإعراب.
[38012]:في ب: فأما.
[38013]:الكلام في : تكملة من الدر المصون.
[38014]:[الكهف: 22]. الدر المصون 5/171.