وَإِنْ تَوَلَّوْا عن الطاعة وأوضعوا في الإضاعة فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى الذي يتولى عباده المؤمنين ، ويوصل إليهم مصالحهم ، وييسر{[344]} لهم منافعهم الدينية والدنيوية . وَنِعْمَ النَّصِيرُ الذي ينصرهم ، فيدفع عنهم كيد الفجار ، وتكالب الأشرار .
ومن كان اللّه مولاه وناصره فلا خوف عليه ، ومن كان اللّه عليه فلا عِزَّ له ولا قائمة له .
وقوله { وَإِن تَوَلَّوْاْ فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير } بشارة منه - سبحانه - للمؤمنين بالنصر والتأييد .
أى : وإن أعرضوا عن الإِيمان ولم ينتهوا عن الكفر والطغيان { فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ } أى : ناصركم ومعينكم عليهم ، فثقوا بولايته ونصرته ، فهو - سبحانه - { مَوْلاَكُمْ نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير } لأنه لا يضيع من تولاه ، ولا يهزم من نصره .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد فتحت الباب للكافرين حتى يفيئوا إلى رشدهم ، وينتهوا عن كفرهمن وبشرتهم بأنهم إذا فعلوا ذلك غفر الله لهم ما سلف من ذنوبهم . . أما إذا استمروا في كفرهم ومعاداتهم للح ، فقد أمر الله عباده المؤمنين بقتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله . .
أى أن القتال في الإِسلام شرعه الله - تعالى - من أجل إعلاء كلمته ومن أجل رفع الأذى والفتنة والعدوان عمن يعتنقون دينه وشريعته .
هذا ، وقد ساق ابن كثير عند تفسيره الآيات جملة من الأحاديث التي تشهد بأن القتال في الإِسلام إنما شرعه الله - تعالى - لإعلاء كلمته ، وليس لأجل الغنيمة أو السيطرة على الغير . . وأنه لا يجوز لمسلم أن يقتل إنسانا بعد نطقه بالشهادتين . فقال - رحمه الله - : وقوله - تعالى - { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } .
روى البخارى عن ابن عمر أن رجلا جاءه - في فتنة ابن الزبير - فقال له يا أبا عبد الرحمن ، ألا تصنع ما ذكره الله في كتابه { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا } الآية . فما يمنعك من القتال ؟ فقال يا ابن أخى لأن أعير بهذه الآية ولا أقاتل ، أحب إلى من أن أعير بالآية التي تقول : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } الآية .
فقال الرجل : فإن الله يقول : { وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } فقال ابن عمر : " قد فعلنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان الإِسلام قليلا ، فكان الرجل يفتن في دينه : إما أن يقتلوه ، وإما أن يوثقوه حتى كثر الإِسلام فلم تكن فتنة " .
وعن سعيد بن جبير قال : خرج إلينا ابن عمر فقال له قائل : كيف ترى في قتال الفتنة ؟ فقال له ابن عمر وهل تدرى ما الفتنة ؟ كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يقاتل المشركين ، وكان الدخول عليهم فتنة ، وليس بقتالكم على الملك .
وفى رواية أنه قال : قد قالتنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ، ويكون الدين لغير الله .
ثم قال ابن كثير : وقوله { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } أى ؛ بقتالكم عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه وإن لم تعلموا بواطنهم { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
وفى الصحيح " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف ، فقال الرجل لا إله إلا الله ، فضربه فقتله فذكر ذلك للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال لأسامة : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ فكيف تصنع " بلا إله إلا الله " يوم القيامة ؟ فقال : يا رسول الله إنما قالها تعوذا فقال . هلا شققت عن قلبه ؟ وجعل يقول ويكرر عليه من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ، قال أسامة : حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت إلا يومئذ " .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن تَوَلّوْاْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىَ وَنِعْمَ النّصِيرُ } . .
يقول تعالى ذكره : وإن أدبر هؤلاء المشركون عما دعوتموهم إليه أيها المؤمنون من الإيمان بالله ورسوله وترك قتالكم على كفرهم ، فأبوا إلا الإصرار على الكفر وقتالكم ، فقاتلوهم وأيقنوا أن الله معينكم عليهم وناصركم . نِعْمَ المَوْلَى هو لكم ، يقول : نعم المعين لكم ولأوليائه ، وَنِعْمَ النّصِير وهو الناصر .
16086 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وإن تولوا " ، عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم ، فإن الله هو مولاكم الذي أعزكمونصركم عليهم يوم بدر ، في كثرة عددهم وقلة عددكم " نعم المولى ونعم النصير " .
التولي : الإعراض وقد تقدم عند قوله تعالى : { فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين } في سورة [ العقود : 92 ] .
والمَوْلى الذي يتولى أمر غيره ويدفع عنه وفيه معنى النصر .
والمعنى وإن تولوا عن هاته الدعوة فالله مغن لكم عن وَلائهم ، أي لا يضركم توليهم فقوله : { أن الله مولاكم } يؤذن بجواب محذوف تقديره : فلا تخافوا تَوليهم فإن الله مولاكم وهو يقدر لكم ما فيه نفعكم حتى لا تكون فتنة . وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة الكذاب « ولئن توليتَ ليعْفِرنك الله » وإنما الخسارة عليهم إذْ حُرِموا السلامة والكرامة .
وافتتاح جملة جواب الشرط ب { اعلموا } لقصد الاهتمام بهذا الخبر وتحقيقه ، أي لا تغفلوا عن ذلك ، كما مر آنفاً عند قوله تعالى : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } [ الأنفال : 24 ] .
وجملة : { نعم المولى ونعم النصير } مستأنفة لأنها إنشاء ثناء على الله فكانت بمنزلة التذييل .
وعطف على { نعم المولى } قوله : { ونعم النصير } لما في المولى من معنى النصر كما تقدم وقد تقدم بيان عطف قوله تعالى : { ونعم الوكيل } على قوله : { حسبنا الله } سورة [ آل عمران : 173 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.