المنخرين . وفتحتا الأذنين ، وفتحة الحنجرة ، وهي مجرى الطعام والشراب والنّفس .
غير مدينين : غير مربوبين مقهورين .
86-87- { فَلَوْلاَ إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ( 86 ) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .
تقيم الآيات الأدلة على عجز المخلوق ، وقدرة الخالق ، أي : إذا أنكرتم ألوهية الله وقدرته على البعث والحشر ، والحساب والجزاء ، فأمامكم دليل عملي : حين تبلغ الروح الحلقوم ، وأنتم تشاهدون أقرب الناس إليكم يعالج سكرات الموت ، وأنتم عاجزون تماما عن إعادته إلى الدنيا .
هلا أيقنتم أن الذي يفعل ذلك ، ويقدر على الموت والحياة إله واحد ، وهو القائل في كتابه : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور } . ( الملك : 1-2 ) .
هلاّ إن كنتم غير خاضعين لقدرتنا ترجعون روح الميت إلى جسده إن كنتم صادقين في اعتقادكم بأنه لا بعث ولا حساب ، أو في توهمكم بأن هناك قوة أخرى غير الله ، يمكنها أن تساعدكم في الشدائد والمحن .
وهكذا نجد الآيات تتحدّى الكافرين ، بل البشر أجمعين أن يعيدوا الروح إلى أحب الناس إليهم ، وهم واقفون حوله وقفة الحائر المستسلم العاجز عن فعل أي شيء من شأنه أن يدفع الموت ، أو يؤخر خروج الروح ولو لزمن قليل .
قوله تعالى : { ترجعونها إن كنتم صادقين } أي : تردون نفس هذا الميت إلى جسده بعد ما بلغت الحلقوم ، فأجاب عن قوله : { فلولا إذا بلغت الحلقوم } وعن قوله : { فلولا إن كنتم غير مدينين } بجواب واحد . ومثله قوله عز وجل : { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم }( البقرة- 38 ) أجيبا بجواب واحد ، معناه : إن كان الأمر كما تقولون : أنه لا بعث ولا حساب ولا إله يجازي فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا بلغت الحلقوم ، وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو الله عز وجل فآمنوا به .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"تَرْجِعُوَنها إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" يقول: تردّون تلك النفوس من بعد مصيرها إلى الحلاقيم إلى مستقرّها من الأجساد إن كنتم صادقين، إن كنتم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة، وجواب قوله: "فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الْحَلْقُومَ"، وجواب قوله: "فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ" جواب واحد وهو قوله: "تَرْجِعُوَنها"...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ترجعونها} أي الروح إلى ما كانت عليه {إن كنتم} أي كوناً ثابتاً {صادقين} أي في أنكم غير مقهورين على الإحضار على الملك الجبار الذي أقامكم في هذه الدار للابتلاء والاختبار، وأنه ليس لغيركم أمركم، وفي تكذيبكم لما يخبر به من الأمور الدنيوية بذل شكركم، وهذا دليل على أنه لا حياة لمن بلغت روحه الحلقوم أصلاً وهذا إلزام لهم بالبعث...
" ترجعونها " ترجعون الروح إلى الجسد . " إن كنتم صادقين " أي ولن ترجعوها فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين ولا محاسبين . و " ترجعونها " جواب لقوله تعالى : " فلولا إذا بلغت الحلقوم " ولقوله : " فلولا إن كنتم غير مدينين " أجيبا بجواب واحد ، قاله الفراء . وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : " فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون{[14690]} " [ البقرة : 38 ] أجيبا بجواب واحد وهما شرطان . وقيل : حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه . وقيل : فيها تقديم وتأخير ، مجازها : فلولا وهلاَّ إن كنتم غير مدينين ترجعونها ، تردون نفس هذا الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم .
{ ترجعونها } أي الروح إلى ما كانت عليه { إن كنتم } أي كوناً ثابتاً { صادقين * } أي في أنكم غير مقهورين على الإحضار على الملك الجبار الذي أقامكم في هذه الدار للابتلاء والاختبار ، وأنه ليس لغيركم أمركم ، وفي تكذيبكم لما يخبر به من الأمور الدنيوية بذل شكركم ، وهذا دليل على أنه لا حياة لمن بلغت روحه الحلقوم أصلاً وهذا إلزام لهم بالبعث حاصله أنه سبحانه إن كان لا يعيدكم فليس هو الذي قدر الموت عليكم ، وإن كان{[62292]} لم يقدره فما لكم لا ترفعونه عنه لأنه من الفوادح التي لا يدرك علاجها ، وأنتم تعالجون مقدماته . وإن قلتم : إنه مقدر لا يمكن علاجه ، لزمكم الإقرار بأن البعث مقدر لا يمكن علاجه ، فإن أنكرتم أحدهما فأنكروا الآخر ، وإن أقررتم بأحدهما فأقروا بالآخر ، وإلا فليس إلا العناد ، فإن{[62293]} قلتم : نحن{[62294]} لا نعلم أنه قدره فاعلموا أنه لو لم يكن بتقديره لأمكنت مقاومته وقتاً ما لا سيما والنفوس مجبولة على كراهته ، وفي الموتى الحكماء والملوك ، وتقريبه أنكم قد بالغتم في الجحود بآيات الله تعالى وأفعاله في كل شيء إن أرسل إليكم رسولاً قلتم : ساحر كذاب ، وإن صدقه مرسله بكتاب معجز قلتم : سحر وافتراء وأمر عجاب ، وإن رزقكم من الماء الذي به حياة كل شيء مطراً ينعشكم به قلتم : صدق نوء كذا ، على حال مؤد إلى التعطيل والإهمال{[62295]} والعبث{[62296]} ، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن عند بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثم مدبر لهذا الكون بالإرسال والإنزال وإفاضة الأرواح وقبضها وبعث العباد لدينونتهم{[62297]} على ما فعلوا فيما أقامهم فيه ، فهو تمثيل بأفعال الملوك على ما يعهد ، فكما أن ملوك الدنيا لا يرسل{[62298]} أحد منهم إلى أحد من رعيته فيأخذه قهراً إلا للدينونة فكيف يظن بملك الملوك غير ذلك ، فتكون ملوك الدنيا أحكم منه ، فإن كان ليس بتمام القدرة فافعلوا برسله كما تفعلون برسل الملوك ، فإنه ربما خلص المطلوب منهم بنوع من أنواع الخلاص بعد بلوغه إلى باب الملك{[62299]} فإرساله سبحانه هو مثل{[62300]} إرسال الملوك غير أنه لتمام قدرته يأخذ أخذاً لا يقدر أحد على رده ، ولا أن يتبع مأخوذه أصلاً لا ليخدمه بعد الأخذ ولا ليخفف عنه شيئاً مما هو فيه بغير ما أمر به سبحانه على ألسنة رسله من الدعاء والصدقة ولا ليعلم حاله بوجه من الوجوه{[62301]} بل الأمر كما قيل :