اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (87)

قوله : { تَرْجِعُونَهَا } .

قال أبو البقاء{[55141]} : «تَرْجعُونَها » جواب «لولا » الأولى ، وأغنى ذلك عن جواب الثانية .

وقيل : بعكس ذلك .

وقال الزمخشري : «إنّ » لولا «الثانية تكرير » . انتهى .

قال شهاب الدين{[55142]} : وتسمية مثل هذا جواباً ليس بصحيح ألبتة ؛ لأن هذه تحضيضية لا جواب لها ، إنما الجواب للامتناعية لوجود ، نحو : { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ } [ النور : 21 ] .

وقال ابن عطية{[55143]} : وقوله : «ترجعونها » سدّ مسدّ الأجوبة والبيانات التي تقتضيها التحضيضيات ، وإذا في قوله «فَلوْلاَ إذَا » ، وإن المتكررة ، وحمل بعض القول بعضاً إيجازاً واختصاراً . انتهى .

فجعل «إذا » شرطية ، وقوله بالأجوبة يعني ل «إذا » ، ول «إن » في قوله : { إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } ، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

والبيانات : يعني الأفعال التي حضض عليها ، وهي عبارة قلقة{[55144]} .

قال أبو حيان{[55145]} : «و «إذا » ليست شرطاً ، بل ظرفاً يعمل فيها «ترجعونها » المحذوف بعد «فلولا » لدلالة «ترجعونها » في التحضيض الثاني عليه ، فجاء التحضيض الأول مقيداً بوقت بلوغ الحلقوم ، وجاء التَّحضيض الثاني معلقاً على انتفاء مربوبيتهم ، وهم لا يقدرون على رجوعها ، إذ مربوبيتهم موجودة فهم مقهُورون ، لا قدرة لهم » . انتهى .

فجعل «ترجعونها » المذكور ل «لولا » الثانية ، وهو دال على محذوف بعد الأولى ، وهو أحد الأقوال التي نقلها أبو البقاء فيما تقدم{[55146]} .

وقوله : { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

شرط آخر ، وليس هذا من اعتراض الشرط على الشرط نحو : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق » حتى يجيء فيه ما تقدم في هذه المسألة ؛ لأن المراد هنا : إن وجد الشرطان كيف كانا فهل رجعتم بنفس الميت{[55147]} ؟ .

[ وقال القرطبي{[55148]} : { ترجعونها إن كنتم صادقين } يرجع الروح إلى الجسد إن كنتم صادقين ، أي : ولن ترجعونها فبطل ]{[55149]} زعمكم أنكم غير مملوكين ، ولا محاسبين ، و«تَرْجعُونها » جواب لقوله تعالى : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم } ، ولقوله : { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } وأجيبا بجواب واحد . قاله الفرَّاء{[55150]} ، وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] ، أجيبا بجواب واحد ، وهما شرطان .

والمعنى : إن كان الأمر كما تقولون : إنه لا بعث ، ولا حساب ، ولا إله يجازي ، فهلاَّ تردون نفس من يعزّ عليكم إذا بلغت الحلقوم ؟ وإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إلى غيركم وهو الله عز وجل . قاله البغوي{[55151]} .

وقيل : حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه .

وقيل : فيها تقديم وتأخير ، مجازها : «فلولا وهلا إن كنتم غير مدينين ترجعونها تردّون نفس الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم »{[55152]} .


[55141]:ينظر: الإملاء 2/1206.
[55142]:الدر المصون 6/269.
[55143]:المحرر الوجيز 5/253.
[55144]:الدر المصون 6/270.
[55145]:ينظر: البحر المحيط 8/215.
[55146]:ينظر: الدر المصون 6/270.
[55147]:ينظر السابق.
[55148]:الجامع لأحكام القرآن 17/150.
[55149]:سقط من ب.
[55150]:ينظر: معاني القرآن له (3/130).
[55151]:ينظر: معالم التنزيل 4/291.
[55152]:ينظر: القرطبي 17/150.