تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (23)

17

المفردات :

فأسر : سر بهم ليلا ، والإسراء : السير بالليل ، وأما السرى فهو السير بالنهار .

التفسير :

23 ، 24- { فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون * واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون } .

تلك معجزة إلهية كبرى ، فقد اشتكى موسى إلى ربه من إجرام فرعون وقومه ، فأمره الله أن يسير بمن آمن من بني إسرائيل ليلا ، فالليل ستر وظلام للهارب ، وفيه يسر للمسافر ، حيث يحفظه من شدة الحر ، وييسر على الدواب الحركة ، بعيدا عن وهج الشمس ومشقة الهجير .

{ إنكم متبعون } .

إن فرعون وقومه سيتبعونكم رغبة في الانتقام منكم ، وقد سار موسى وقومه ليلا ، وأحس فرعون بهربه ، فجمع جيشه وخرج وراءه ليدركهم ويعاقبهم ، عندئذ قال أصحاب موسى : { إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } . ( الشعراء : 61 ، 62 ) .

فأمره الله أن يضرب البحر بعصاه ، فضرب موسى البحر فانفلق ، فصار كل فرق كالطود العظيم ، أي صارت كل ناحية من الماء كالجبل العظيم المرتفع ، وأمره الله أن يسير في طريق يابس مريح آمن ، ولما انتقل موسى ومن معه إلى الشاطئ الآخر ، أمره الله أن يترك البحر على حالته ، لأن فرعون وجنوده سيسيرون خلفكم ، فنغرقهم عقابا لهم .

{ رهوا } : ساكنا منفرجا على هيئته بعد أن تجاوزه موسى ومن معه .

{ إنهم جند مغرقون } .

أي : إن فرعون وقومه سيغرقون فيه .

كما قال تعالى : { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى } . ( طه : 77 ) .

قال ابن كثير وابن جزي وغيرهما :

{ واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون } .

وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر ، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ، ليصير حائلا بينهم وبين فرعون فلا يصل إليهم ، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنا ، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه ، وأنه لا يخاف دركا ولا يخشى .

قال ابن عباس :

{ واترك البحر رهوا . . . } كهيئته وامض .

وقال مجاهد :

{ رهوا } . طريقا يابسا كهيئته ، يقول : لا تأمره يرجع ، اتركه حتى يدخل فيه آخرهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (23)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " فأسر بعبادي ليلا " أي فأجبنا دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي ، أي بمن آمن بالله من بني إسرائيل . " ليلا " أي قبل الصباح " إنكم متبعون " وقرأ أهل الحجاز " فاسر " بوصل الألف . وكذلك ابن كثير ، من سرى . الباقون " فأسر " بالقطع ، من أسرى . وقد تقدم{[13719]} . وتقدم خروج فرعون وراء موسى في " البقرة والأعراف وطه والشعراء ويونس " {[13720]} وإغراقه وإنجاء موسى " ، فلا معنى للإعادة .

الثانية- أمر موسى عليه السلام بالخروج ليلا . وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف ، والخوف يكون بوجهين : إما من العدو فيتخذ الليل سترا مسدلا ، فهو من أستار الله تعالى . وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان بحر أو جدب ، فيتخذ السرى مصلحة من ذلك . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسري ويدلج{[13721]} ويترفق ويستعجل ، بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها ){[13722]} . وقد مضى في أول " النحل " {[13723]} ، والحمد لله .


[13719]:راجع ج 9 ص 79.
[13720]:راجع ج 1 ص 389 وما بعدها. و ج 8 ص 377 وما بعدها. وج 11 ص 227 وما بعدها. و ج 13 ص 105 وما بعدها.
[13721]:قوله:" يسري" أي يسير عامة الليل. و" يدلج" أي سار من أول الليل. وربما استعمل آخر الليل.
[13722]:قوله:" في السنة أي في القحط وانعدام نبات الأرض من يبسها. والنقي( بكسر النون وسكون القاف) هو المخ، ومعناه أسرعوا في السير الإبل لتصلوا إلى المقصد وفيها بقية من قوّتها.
[13723]:راجع ج 10 ص 73.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} (23)

{ فأسر بعبادي } هذا أمر من الله لموسى عليه السلام والعباد هنا بنو إسرائيل أي : اخرج بهم بالليل .

{ إنكم متبعون } إخبار أن فرعون وجنوده يتبعونهم .