احتارت قريش في هذا الوحي ولم يثبتوا على قول ، فقالوا : إن الذي يتكلم به محمد قول ألقاه الشيطان على لسانه حين خالط عقله ، فنفى الله تعالى عنه الجنون ، ونفى أن يكون القرآن من كلام الشياطين ، فالشيطان يأمر بالفحشاء والبخل ، والقرآن يأمر بالإحسان وإيتاء الزكاة وإخراج الصدقات .
وقد حكى القرآن أن الأمم جميعا رموا أنبياءهم بالجنون .
قال تعالى : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون . ( الذاريات : 25 ) .
{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } لما ذكر جلالة{[1368]} كتابه وفضله بذكر الرسولين الكريمين ، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما ، وأثنى الله عليهما بما أثنى ، دفع عنه كل آفة ونقص مما يقدح في صدقه ، فقال : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } أي : في غاية البعد عن الله وعن قربه ،
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود، ولكنه كلام الله ووحيه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
النبي صلى الله عليه وسلم ليس من شياطين الإنس ولا بمجنون كما ذكرتم بل هو رسول كريم، والذي أتاكم به من القرآن، لم يتلق من الشياطين، ولا هو من قبلهم كما تلقنه الكهنة والسحرة من أفواههم، بل هو ذكر من الله تعالى للعالمين أنزله إليه الروح الأمين القوي الذي لا يضل إليه الشيطان، فيغيره، ويبدله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما هو} أي القرآن الذي من جملة معجزاته الإخبار بالمغيبات، وأعرق في النفي بالتأكيد بالباء فقال: {بقول شيطان}. ولما كان الشيطان لا ينفك عن الطرد لأن اشتقاقه من شطن وشاط، وذلك يقتضي البعد والاحتراق، وصفه بما هو لازم له فقال: {رجيم} أي مرجوم باللعن وغيره من الشهب لأجل استراق السمع مطرود عن ذلك...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم، بعد أن استُطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقُدسية مصدره ومكانةِ حامله عند الله وصدقِ متلقيه منه عن رؤية محققة لا تخيل فيها، فكان التخلص إلى العَود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين}. فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك. وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قال: {وما هو بقول شيطان رجيم} فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير: {وما هو على الغيب بضنين}. وهذا إبطال لقول المشركين فيه أنه كاهن...
. وهم كانوا يزعمون أن الكاهن يتلقى عن شيطانه ويُسمون شيطانَه رَئيّاً. وفي حديث فترة الوحي ونزول سورة والضحى: أن حمالة الحطب امرأة أبي لهب وهي أم جميل بنتُ حرب قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم « أرى شيطانَك قد قلاك». و {رجيم} فعيل بمعنى مفعول، أي مرجوم، والمرجوم: المبعد الذي يتباعد الناس من شره فإذا أقبل عليهم رجموه فهو وصف كاشف للشيطان لأنه لا يكون إلا مُتَبَّرأ منه...
ولما أثبت له الأمانة والجود بعد أن نفى عنه ما بهتوه به ، وكان الجنون أظهر من قول المجنون لأن بعض المجانين ربما تكلم الكلام المنتظم في بعض-{[71970]} الأوقات فنفاه لذلك ، وكان قول الكاهن أظهر من الكهانة ، نفى القول فقال : { وما هو } أي القرآن الذي من جملة معجزاته الإخبار بالمغيبات ، وأعرق في النفي بالتأكيد بالباء فقال : { بقول شيطان } . ولما كان الشيطان{[71971]} لا ينفك عن الطرد لأن اشتقاقه من شطن وشاط ، وذلك يقتضي البعد{[71972]} والاحتراق ، وصفه بما هو لازم له فقال : { رجيم * } أي مرجوم باللعن وغيره من الشهب لأجل استراق السمع مطرود عن ذلك ، لأن القائل له ليس بكاهن كما تعلمون ، وبقي مما قالوه السحر وهو لا يحتاج إلى نفيه لأنه ليس بقول ، بل هو فعل صرف أو قول مقترن به ، والأضغاث وهي لذلك واضحة العوار{[71973]} فلم يعدها ، فمن علم هذه الأوصاف للقرآن والرسولين الآتيين به الملكي والبشري أحبه وأحبهما ، وبالغ في التعظيم والإجلال ، وأقبل على تلاوته في كل أوقاته ، وبالغ في السعي في كل ما يأمر به والهرب مما ينهى{[71974]} عنه ، ليحصل له الاستقامة رغبة في مرافقة من أتى به ورؤية من أتى من عنده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.