و : { أم } المتكررة في هذه الآية قدرها بعض النحاة بألف الاستفهام ، وقدرها مجاهد ب «بل » . والنظر المحرر في ذلك أن منها ما يتقدر ببل ، والهمزة على حد قول سيبويه في قولهم : إنها لا بل أم شاء ، ومنها ما هي معادلة ، وذلك قوله : { أم هم قوم طاغون } .
وقرأ مجاهد : «بل هم قوم طاغون » وهو معنى قراءة الناس ، إلا أن العبارة ب { أم } خرجت مخرج التوقيف والتوبيخ . وحكى الثعلبي عن الخليل أنه قال : ما في سورة «الطور » من { أم } كله استفهام وليست بعطف . و : { تقوله } معناه : قال عن الغير إنه قاله . فهي عبارة عن كذب مخصوص .
انتقال متصل بقوله : { أم يقولون شاعر } [ الطور : 30 ] الخ . وهذا حكاية لإِنكارهم أن يكون القرآن وحياً من الله ، فزعموا أنه تقوّله النبي صلى الله عليه وسلم على الله ، فالاستفهام إنكار لقولهم ، وهم قد أكثروا من الطعن وتمالؤوا عليه ولذلك جيء في حكايته عنهم بصيغة { يقولون } المفيدة للتجدد .
والتقول : نسبة كلام إلى أحد لم يقله ، ويتعدى إلى الكلام بنفسه ويتعدى إلى من يُنسب إليه بحرف ( على ) ، قال تعالى : { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين } [ الحاقة : 44 ، 45 ] الآية . وضمير النصب في { تقوله } عائد إلى القرآن المفهوم من المقام .
وابتدىء الرد عليهم بقوله : { بل لا يؤمنون } لتعجيل تكذيبهم قبل الإِدلاء بالحجة عليهم وليكون ورود الاستدلال مفرّعاً على قوله : { لا يؤمنون } بمنزلة دليل ثان . ومعنى { لا يؤمنون } : أن دلائل تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن تقوّل القرآن بيّنة لديهم ولكن الزاعمين ذلك يأبون الإِيمان فهم يبادرون إلى الطعن دون نظر ويلقون المعاذير ستراً لمكابرتهم .
ولما كانت مقالتهم هذه طعناً في القرآن وهو المعجزة القائمة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت دعواهم أنه تقوّل على الله من تلقاء نفسه قد تروج على الدهماء تصدى القرآن لبيان إبطالها بأن تحداهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن بقوله : { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين } أي صادقين في أن محمداً صلى الله عليه وسلم تقوله من تلقاء نفسه ، أي فعجزهم عن أن يأتوا بمثله دليل على أنهم كاذبون .
ووجه الملازمة أن محمداً صلى الله عليه وسلم أحد العرب وهو ينطق بلسانهم . فالمساواة بينه وبينهم في المقدرة على نظم الكلام ثابتة ، فلو كان القرآن قد قاله محمد صلى الله عليه وسلم لكان بعض خاصة العرب البلغاء قادراً على تأليف مثله ، فلما تحدّاهم الله بأن يأتوا بمثل القرآن وفيهم بلغاؤهم وشعراؤهم وكلمتهم وكلهم واحد في الكفر كان عجزهم عن الإِتيان بمثل القرآن دالاً على عجز البشر عن الإِتيان بالقرآن ولذلك قال تعالى في سورة هود ( 13 ، 14 ) : { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللَّه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم اللَّه } كما قال تعالى : { فإنهم لا يكذبوك ولكن الظالمين بآيات اللَّه يجحدون } [ الأنعام : 33 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أم يقولون} يعني أيقولون إن محمدا {تقوله} تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه، اختلقه.
{بل لا يؤمنون} يعني لا يصدقون بالقرآن...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أمْ يَقُولُونَ تَقَوّلَهُ "يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقوّل محمد هذا القرآن وتخلّقه.
وقوله: "بَلْ لا يُؤْمِنُونَ" يقول جلّ ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدّقوا بالحقّ الذي جاءهم من عند ربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{أم يقولون تقوّله بل لا يؤمنون} أي يعلمون أنك لست بمتقوّلٍ، ولكن ينسبونك إلى التّقوُّل لتكذيبهم بآيات الله تعالى، وهو ما ذكر في آية أخرى: {فإنهم لا يكذّبونك} بالتخفيف والتشديد {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33]. يقول: إنهم لا يقولون: إنك كاذب في ما تقول، ولا ينسبونك إلى الكذب، ولكن إنما يكذّبون الآيات، ويعتقدون كذبها. فعلى ذلك {تقوّله} على علم منهم أنك لم تتقوّل، ولكن اعتقدوا تكذيب الآيات والجحود لها، فيقولون: إنك تتقوّل...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"أم يقولون تقوله" معناه بل يقولون أفتراه واخترعه وافتعله، لأن التقول لا يكون إلا كذبا، لأنه دخله معنى تكلف القول من غير حقيقة معنى يرجع إليه، وكذلك كل من تكلف أمرا من غير اقتضاء العقل أن له فعله فهو باطل.
ثم قال "بل" هؤلاء الكفار "لا يصدقون" بنبوتك ولا بأن القرآن أنزل من عند الله. والآية ينبغي أن تكون خاصة فيمن علم الله أنه لا يؤمن...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... العبارة ب {أم} خرجت مخرج التوقيف والتوبيخ. و {تقوله} معناه: قال عن الغير إنه قاله، فهي عبارة عن كذب مخصوص.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أم يقولون} ما هو أفحش عاراً من التناقض: {تقوله} أي تكلف قوله من عند نفسه كذباً وليس بشعر ولا كهانة ولا جنون، وهم على كثرتهم وإلمام بعضهم بالعلم وعرافة آخرين في الشعر والخطب والترسل والسجع يعجزونه عن مثله بل عن مثل شيء منه...
{بل لا يؤمنون} أي لا يقرون بالحق مع علمهم ببطلان قولهم وتناقضه عناداً منهم لا تكذيباً في الباطن...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
انتقال متصل بقوله: {أم يقولون شاعر} [الطور: 30] الخ. وهذا حكاية لإِنكارهم أن يكون القرآن وحياً من الله، فزعموا أنه تقوّله النبي صلى الله عليه وسلم على الله، فالاستفهام إنكار لقولهم، وهم قد أكثروا من الطعن وتمالؤوا عليه ولذلك جيء في حكايته عنهم بصيغة {يقولون} المفيدة للتجدد.
والتقول: نسبة كلام إلى أحد لم يقله، ويتعدى إلى الكلام بنفسه ويتعدى إلى من يُنسب إليه بحرف (على)، قال تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين} [الحاقة: 44، 45] الآية. وضمير النصب في {تقوله} عائد إلى القرآن المفهوم من المقام.
وابتدئ الرد عليهم بقوله: {بل لا يؤمنون} لتعجيل تكذيبهم قبل الإِدلاء بالحجة عليهم وليكون ورود الاستدلال مفرّعاً على قوله: {لا يؤمنون} بمنزلة دليل ثان. ومعنى {لا يؤمنون}: أن دلائل تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن تقوّل القرآن بيّنة لديهم ولكن الزاعمين ذلك يأبون الإِيمان فهم يبادرون إلى الطعن دون نظر ويلقون المعاذير ستراً لمكابرتهم.
ولما كانت مقالتهم هذه طعناً في القرآن وهو المعجزة القائمة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت دعواهم أنه تقوّل على الله من تلقاء نفسه قد تروج على الدهماء تصدى القرآن لبيان إبطالها بأن تحداهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن بقوله: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} أي صادقين في أن محمداً صلى الله عليه وسلم تقوله من تلقاء نفسه، أي فعجزهم عن أن يأتوا بمثله دليل على أنهم كاذبون.
ووجه الملازمة أن محمداً صلى الله عليه وسلم أحد العرب وهو ينطق بلسانهم. فالمساواة بينه وبينهم في المقدرة على نظم الكلام ثابتة، فلو كان القرآن قد قاله محمد صلى الله عليه وسلم لكان بعض خاصة العرب البلغاء قادراً على تأليف مثله، فلما تحدّاهم الله بأن يأتوا بمثل القرآن وفيهم بلغاؤهم وشعراؤهم وكلمتهم وكلهم واحد في الكفر كان عجزهم عن الإِتيان بمثل القرآن دالاً على عجز البشر عن الإِتيان بالقرآن ولذلك قال تعالى في سورة هود (13، 14): {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللَّه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم اللَّه} كما قال تعالى: {فإنهم لا يكذبوك ولكن الظالمين بآيات اللَّه يجحدون} [الأنعام: 33].
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} فليست القضية عندهم قضية قناعة ذاتية بما يقولون عنك، بل هي قضية رفض معقد للإيمان...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.