القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّقُواْ الّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلّةَ الأوّلِينَ * قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحّرِينَ * وَمَآ أَنتَ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُنَا وَإِن نّظُنّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مّنَ السّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وَاتّقُوا أيها القوم عقاب ربكم الّذِي خَلَقَكُمْ ، وَ خلق الجبِلّةَ الأوّلِينَ يعني بالجبِلّة : الخلق الأوّلين . وفي الجبلة للعرب لغتان : كسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وضم الجيم والباء وتشديد اللام فإذا نُزعت الهاء من آخرها كان الضمّ في الجيم والباء أكثر كما قال جلّ ثناؤه : وَلَقَدْ أضَلّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيرا وربما سكنوا الباء من الجِبْل ، كما قال أبو ذُؤيب :
مَنايا يُقَرّبْنَ الحُتُوفَ لأَهْلِها *** جِهارا ويَسْتَمْتِعْنَ بالأنَسِ الجِبْلِ
وبنحو ما قلنا في معنى الجبِلّة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : قوله وَاتّقُوا الّذِي خَلَقَكُمْ والجِبِلّةَ الأوّلِينَ يقول : خلق الأوّلين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : والجِبِلّةَ الأوّلِينَ قال : الخليقة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله والجِبِلّةَ الأوّلِينَ قال : الخلق الأوّلين ، الجبلة : الخلق .
و { الجبلة } القرون ، والخليقة الماضية وقال الشاعر :
والموت أعظم حادث . . . مما يمر على الجبلَّه{[4]}
وقرأ جمهور الناس «والجِبِلة » بكسر الجيم والباء ، وقرأ ابن محيصن والحسن بخلاف «والجُبُلة » بضمها .
أكد قوله في صدر خطابه { فاتقوا الله } [ الشعراء : 179 ] بقوله هنا : { واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين } وزاد فيه دليل استحقاقه التقوى بأن الله خلقهم وخلق الأمم من قبلهم ، وباعتبار هذه الزيادة أُدخل حرف العطف على فعل { اتقوا } ولو كان مجرد تأكيدٍ لم يصح عطفه . وفي قوله : { الذي خلقكم } إيماء إلى نبذ اتقاء غيره من شركائهم .
و { الجبلة } : بكسر الجيم والباء وتشديد اللام : الخلقة ، وأريد به المخلوقات لأن الجبلة اسم كالمصدر ولهذا وصف ب { الأولين } . وقيل : أطلق الجبلة على أهلها ، أي وذوي الجبلة الأولين . والمعنى : الذي خلقكم وخلق الأمم قبلكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.