القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال أصحاب يوسف لإخوته : فما ثواب السّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ . يقول جلّ ثناؤه : وقال إخوة يوسف : ثواب السّرَق مَنْ وُجد في متاعه السّرَق فهو جزاؤه ، يقول : فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يُسْلَم بسرقته إلى من سرق منه حتى يسترقّه . كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ يقول : كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَهُوَ جَزَاؤُهُ أي سُلّم به ، كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ : أي كذلك نصنع بمن سَرَق منا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزّاق ، عن معمر ، قال : بلغنا في قوله : قالُوا فمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ أخبروا يوسف بما يُحْكَم في بلادهم أنه من سَرَق أُخِذ عبدا ، فقالوا : جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : قالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ تأخذونه فهو لكم .
ومعنى الكلام : قالوا : ثواب السّرَق الموجود في رحله ، كأنه قيل : ثوابه استرقاق الموجود في رحله ، ثم حذف «استرقاق » ، إذ كان معروفا معناه ، ثم ابتدىء الكلام فقيل : هو جزاؤه كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ .
وقد يحتمل وجها آخر : أن يكون معناه : قالوا ثواب السرق الذي يوجد السرق في رحله ، فالسارق جزاؤه . فيكون «جزاؤه » الأوّل مرفوعا بجملة الخبر بعده ، ويكون مرفوعا بالعائد من ذكره في «هو » ، و «هو » رافع «جزاؤه » الثاني .
ويحتمل وجها ثالثا : وهو أن تكون «مَنْ » جزائية ، وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في الهاء التي في «رحله » ، والجزاء الأوّل مرفوعا بالعائد من ذكره في «وجد » ، ويكون جواب الجزاء الفاء في «فهو » . والجزاء الثاني مرفوع ب «هو » ، فيكون معنى الكلام حينئذٍ : قالوا : جزاء السّرَق من وُجد السّرَق في رحله ، فهو ثوابه يُسْترقّ ويستعبد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا}، أي المنادي ومن معه: {فما جزاؤه}، أي السارق، {إن كنتم كاذبين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم "ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ". يقول جلّ ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السّرَق مَنْ وُجد في متاعه السّرَق فهو جزاؤه، يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يُسْلَم بسرقته إلى من سرق منه حتى يسترقّه. "كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ "يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقا...
عن معمر، قال: بلغنا في قوله: "قالُوا فمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ" أخبروا يوسف بما يُحْكَم في بلادهم أنه من سَرَق أُخِذ عبدا، فقالوا: "جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ"...
ومعنى الكلام: قالوا: ثواب السّرَق الموجود في رحله، كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله، ثم حذف «استرقاق»، إذ كان معروفا معناه، ثم ابتدئ الكلام فقيل: هو جزاؤه "كذلكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ"...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
تَجَاسَرَ إخوةُ يوسف بجريان جزاء السَّرِقةِ عليهم ثقةً بأنفسهم أنهم لم يُباشِروا الزَّلَّة، وكان بنيامينُ شريكَهم في براءة السَّاحةِ، فلما استُخْرِجَ الصَّاعُ مِنْ وعائه بَسَطَ الإخوةُ فيه لسانَ الملامةِ، وبقي بنيامين فلم يكن له جوابٌ كأنَّه أقَرَّ بالسرقة، ولم يكن ذلك صدقاً إذ أنه لم يَسْرِقْ، ولو قال: لم أَفْعَلْ لأفشى سِرّ يوسف عليه السلام الذي احتال معهم ذلك لأجْلِه حتى يُبْقِيه معه، فَسَكَتَ لسان بنيامين، وتحقَّق بالحالِ قَلْبُه. ويقال لم يستصعب الملامة -وإنْ كان بريئاً- مما قُرِنَ به، ولا يَضُرُّ سوءُ المقالةِ بالمكاشفين بعد حسْنِ الحالةِ مع الأحباب. ويقال سيء بما أَظْهَرَتْ عليه المقالة، ولكن حَصَلَ له بذلك صفاءُ الحالة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَمَا جَزَاؤُهُ} الضمير للصواع، أي فما جزاء سرقته {إِن كُنتُمْ كاذبين} في جحودكم وادّعائكم البراءة منه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: فما قال الذين من جهة العزيز؟ قيل: {قالوا} قول واثق بأنه في رحالهم: {فما جزاؤه} أي الصواع {إن كنتم كاذبين} في تبرئكم من السرقة؛ والجزاء: مقابلة العمل بما يستحق عليه من خير أو شر.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قول الفتيان {فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} تحكيم، لأنهم لا يسعهم إلا أن يعيّنوا جزاء يؤخذون به، فهذا تحكيم المَرء في ذنبه.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أومأوا إليهم بالتحري، وسألوهم الجزاء لمن وجد الصواع في متاعه، ليكون الجزاء به برضاهم، ولا يكون فيه غمط لهم أو تجاوز للحد، أو الشطط في زعمهم...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ} في دعواكم الأمانة، وإنكاركم للسرقة، لأننا لا نريد أن نعاقب السارق بمقتضى شريعتنا، بل نريد أن نلزمكم بما تفرضه شريعتكم، لتعلموا أننا لا نقصد استغلال موقعكم الضعيف عندنا بأن نفرض عليكم ما نريد، بل نترك الأمر لكم في اكتشاف المسألة وفي الحكم عليها...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.