ولكن هذا النصح الحكيم من لوط لهم لم يحرك قلوبهم الميتة الآسنة . ولا فطرتهم الشاذة المنكوسة .
{ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } .
أى : قال قوم لوط له بسفاهة ووقاحة : لقد علمت يا لوط علما لا شك معه ، أننا لا رغبة لنا فى النساء . لا عن طريق الزواج ولا عن أى طريق آخر ، فالمراد بالحق هنا : الرغبة والشهوة .
قال الشوكانى : قوله { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } أى : ما لنا فيهن من شهوة ولا حاجة ، لأن من احتاج إلى شئ فكأنه حصل له فيه نوع حق ، ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم ، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء .
ويمكن أن يريدوا : أنه لا حق لنا فى نكاحهن . . .
وقولهك { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } إشارة خبيثة منهم إلى العمل الخبيث الذى ألفوه ، وهو إتيان الذكور دون النساء أى : وإنك لتعلم علماً يقينيا الشئ الذي نريده فلماذا ترجعنا ؟ !
وقولهم هذا الذى حكته الآية الكريمة عنهم ، يدل دلالة واضحة على أنهم قد بلغوا النهاية فى الخبث والوقاحة وتبلد الشعور . . .
لد رد عليهم لوط - عليه السلام - رد اليائس من ارعوائهم عن غيهم ، المتمنى لوجود قوة إلى جانبه تردعهم وتكف فجورهم . . . { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ }
فصلت جملة { قالوا } عن التي قبلها لوقوعها موقع المحاورة مع لوط عليه السّلام .
و { لقد علمت } تأكيد لكونه يعلم . فأكد بتنزيله منزلةَ من ينكر أنه يعلم لأن حالة في عرضه بناته عليهم كحال من لا يعلم خُلقهم ، وكذلك التوكيد في { وإنك لتعلَم ما نريد } ، وكلا الخبرين مستعمل في لازم فائدة الخبر ، أي نحن نعلم أنك قد علمت ما لنا رغبة في بناتك وإنك تعلم مرادنا .
ومثله قوله حكاية عن قوم إبراهيم { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } [ الأنبياء : 65 ] .
و { ما } الأولى نافية معلّقة لفعل العلم عن العمل ، و { ما } الثانية موصولة .
والحق : ما يحقّ ، أي يجب لأحد أو عليه ، فيقال : له حق في كذا ، إذا كان مستحقاً له ، ويقال : ما له حق في كذا ، بمعنى لا يستحقه ، فالظاهر أنه أطلق هنا كنايةً عن عدم التعلّق بالشيء وعن التجافي عنه . وهو إطلاق لم أر مثله ، وقد تحيّر المفسرون في تقريره . والمعنى : ما لنا في بناتك رغبة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق}، يعنون من حاجة، {وإنك لتعلم ما نريد} أنهم يريدون الأضياف...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم لوط للوط:"لَقَدْ عَلِمْتَ" يا لوط "ما لَنا في بنَاتِكَ مِنْ حَق "لأنهنَ لَسْن لنا أزواجا...
وقوله: "وَإنّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ" يقول: قالوا: وإنك يا لوط لتعلم أن حاجتنا في غير بناتك، وأن الذي نريد هو ما تنهانا عنه... عن السديّ: "وَإنّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ" إنا نريد الرجال.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... إننا ليس لنا في بناتك من حاجة، فجعلوا تناول ما ليس لهم فيه حاجة بمنزلة مالا حق لهم فيه...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أصرُّوا على عصيانهم، وزهدوا في المأذون لهم شرعاً، وانجرُّوا إلى ما قادهم إليه الهوى طبعاً، وهذه صفة البهائم؛ لا يَرْدَعُها عقلٌ، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ كَاْلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179]...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
ما لنا في بناتك من حق، أي: حاجة وشهوة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ومن ثمّ {قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ} مستشهدين بعلمه {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ} لأنك لا ترى مناكحتنا، وما هو إلا عرض سابري. وقيل: لما اتخذوا إتيان الذكران مذهباً وديناً لتواطؤهم عليه، كان عندهم أنه هو الحق، وأنّ نكاح الإناث من الباطل، فلذلك قالوا: ما لنا في بناتك من حق قط؛ لأنّ نكاح الإناث أمر خارج من مذهبنا الذي نحن عليه. ويجوز أن يقولوه على وجه الخلاعة، والغرض نفي الشهوة. {لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} عنوا إتيان الذكور وما لهم فيه من الشهوة...
{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} وفيه وجوه:
الأول: مالنا في بناتك من حاجة ولا شهوة، والتقدير أن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق، فلهذا السبب جعل نفي الحق كناية عن نفي الحاجة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فلم يكن منهم ذلك، بل {قالوا لقد علمت} أي يا لوط مجرين الكلام على حقيقته غير معرجين على ما كني به عنه {ما لنا في بناتك} وأغرقوا في النفي فقالوا: {من حق} أي حاجة ثابتة، ولم يريدوا به ضد الباطل لأن البنات والضيف في نفي حقهم عنهم سواء، وأكدوا معلمين بما لهم من الرغبة في الفجور وقاحة وجرأة فقالوا: {وإنك لتعلم} أي علماً لا تشك فيه {ما نريد} وهو إتيان الذكور للتطرق والتطرف، فحملوا عرضه لبناته على الحقيقة خبثاً منهم وشرعوا يبنون على ذلك بوقاحة وعدم مبالاة بالعظائم...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} فإنهن محرمات علينا في دينك، أو ينفون أن الحق عندهم نكاح الذكور مستشهدين بعلمه به تهكما، أو الحق هنا الحاجة والأرب، المعنى لقد علمت من قبل أنه ليس لنا في بناتك من حاجة أو رغبة في تزوجهن فتصرفنا بعرضهن علينا عما نريده، أو لقد علمت الذي لنا في نسائنا اللواتي تسميهن بناتك من حق الاستمتاع وما نحن عليه معهن فلا معنى لعرضك إياهن علينا لصرفنا عما نريده. {وإنك لتعلم ما نريد} من الاستمتاع بالذكر وإننا لا نؤثر عليه شيئا، أي تعرف ذلك حق المعرفة لا ترتاب فيه، فلم تحاول صدنا عنه؟ فعلم أنهم مصرون على إرادتهم فماذا فعل؟
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{لقد علمت} تأكيد لكونه يعلم. فأكد بتنزيله منزلةَ من ينكر أنه يعلم لأن حالة في عرضه بناته عليهم كحال من لا يعلم خُلقهم، وكذلك التوكيد في {وإنك لتعلَم ما نريد}، وكلا الخبرين مستعمل في لازم فائدة الخبر، أي نحن نعلم أنك قد علمت ما لنا رغبة في بناتك وإنك تعلم مرادنا...
والحق: ما يحقّ، أي يجب لأحد أو عليه، فيقال: له حق في كذا، إذا كان مستحقاً له، ويقال: ما له حق في كذا، بمعنى لا يستحقه، فالظاهر أنه أطلق هنا كنايةً عن عدم التعلّق بالشيء وعن التجافي عنه. وهو إطلاق لم أر مثله، وقد تحيّر المفسرون في تقريره. والمعنى: ما لنا في بناتك رغبة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} لأننا لا نرى لنا فيهن حقاً، ونظراً لعدم رغبتنا بالنساء كما لغيرنا من الناس الذين يجدون فيهن موضوعاً لإشباع حاجاتهم، ويلتمسون الوسائل المشروعة للحصول عليه، لأن ما يجعل من الشيء حقاً لأحد لدى نفسه، رغبته الذاتية فيه، ورغبة المجتمع في تحقيق وصوله له، وهذا ما لا يتيسر في مجتمع قوم لوط الذين كانوا يأتون الرجال شهوةً من دون النساء، {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} من قضاء شهواتنا في رجال أمثال ضيوفك، ممن قد لا يتيسر لنا الحصول عليهم في كل وقت...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.