التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (126)

ولفظ الجلالة فى قوله : { الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ الأولين } بدل من { أَحْسَنَ الخالقين } .

أى : أتعبدون صنما صنعتموه بأيديكم ، وتذرون عبادة الله - تعالى - الذى هو ربكم ورب آبائكم الأولين .

وقرأ غير واحد من القراء السبعة { الله } - بالرفع - على أنه مبتدأ ، و { ربكم } خبره .

والتعرض لذكر ربوبيته - تعالى - لآبائهم الأولين ، الغرض منه التأكيد على بطلان عبادتهم لغيره - سبحانه - فكأنه يقول لهم : إن الله - تعالى - الذى أدعوكم لعبادته وحده ليس هو ربكم وحدكم بل - أيضاً - رب آبائكم الأولين ، الذين من طريقهم أتيتم إلى هذه الحياة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (126)

قرأ حمزة والكسائي وعاصم «الله » بالنصب «ربَّكم وربَّ آبائكم » كل ذلك بالنصب على البدل من قوله { أحسن الخالقين } [ المؤمنين : 14 ، الصافات : 125 ] ، وقرأ الباقون وعاصم أيضاً «ربُّكم وربُّ آبائكم » كل ذلك بالرفع على القطع والاستئناف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (126)

وجملة { الله ربُّكُم وربُّ ءَابآئِكُمُ الأوَّلينَ } قرأ الأكثر برفع اسم الجلالة وما عطف عليه فهو مبتدأ والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً والخبر مستعمل في التنبيه على الخطأ بأن عبدوا { بعلاً } . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بنصب اسم الجلالة على عطف البيان ل { أحْسنَ الخالِقِينَ } ، والمقصود من البيان زيادة التصريح لأن المقام مقام إيضاح لأصل الديانة ، وعلى كلتا القراءتين فالكلام مسوق لتذكيرهم بأن من أصول دينهم أنهم لا ربّ لهم إلا الله ، وهذا أول أصول الدين فإنه ربّ آبائهم فإن آباءهم لم يعبدوا غير الله من عهد إبراهيم عليه السلام وهو الأب الأول من حيث تميزت أمتهم عن غيرهم ، أو هو يعقوب قال تعالى : { وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن اللَّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] ، واحتراز ب { الأوَّلِينَ } عن آبائهم الذين كانوا في زمان ملوكهم بعد سليمان .

وجمع هذا الخبر تحريضاً على إبطال عبادة « بعل » لأن في الطبع محبة الاقتداء بالسلف في الخير . وقد جمع إلياس من معه من أتباعه وجعل مكيدة لسدنة ( بعل ) فقتلهم عن آخرهم انتصاراً للدّين وانتقاماً لمن قتلتهم ( إيزابل ) زوجة ( آخاب ) .

وفي « مفاتيح الغيب » : « كان الملقب بالرشيد الكاتب{[349]} يقول : لو قيل : أتدعُون بعلاً وتدَعون أحسن الخالقين ، أوْهَم أنه أحسن » ، أي أوهم كلام الرشيد أنه لو كانت كلمة ( تدعون ) عوضاً عن { تذرون } . وأجاب الفخر بأن فصاحة القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكاليف بل لأجْل قوة المعاني وجزالة الألفاظ اهـ . وهو جواب غير مقنع إذ لا سبيل إلى إنكار حسن موقع المحسنات البديعية بعد استكمال مقتضيات البلاغة . قال السّكّاكي : « وأصل الحسن في جميع ذلك ( أي ما ذكر من المحسنات البديعية ) أن تكون الألفاظُ توابع للمعاني لا أن تكون المعاني لها توابع ، أعني أن لا تكون متكلفة » . فإذا سلمنا أن ( تذرون ) و ( تدعون ) مترادفان لم يكن سبيل إلى إبطال أن إيثار ( تدعون ) أنسب .

فالوجه إما أن يجاب بما قاله سعد الله محشي البيضاوي بأن الجناس من المحسنات فإنما يناسب كلاماً صادراً في مقام الرضى لا في مقام الغضب والتهويل .

يعني أن كلام إلياس المحكيَّ هنا محكي عن مقام الغضب والتهويل فلا تناسبه اللطائف اللفظية ( يعني بالنظر إلى حال المخاطَبين به لأن كلامه محكي في العربية بما يناسب مصدره في لغة قائله وذلك من دقائق الترجمة ) ، وهو جواب دقيق ، وإن كابر فيه الخفاجي بكلام لا يليق ، وإن تأمّلتَه جزمت باختلاله . وقد أجيب بما يقتضي منع الترادف بين فعلي { تذرون } و « تدعون » بأن فعل ( يدع ) أخص : إما لأنه يدل على ترك شيء مع الاعتناء بعدم تركه كما قال سعد الله ، وإما لأن فعل يدع يدل على ترك شيء قبل العلم ، وفعل ( يذر ) يدل على ترك شيء بعد العلم به كما حكاه سعد الله عن بعض الأيمة عازياً إياه للفخر .

وعندي : أن منع الترادف هو الوجه لكن لا كما قال سعد الله ولا كما نُقل عن الفخر بل لأن فعل ( يدع ) قليل الاستعمال في كلام العرب ولذلك لم يقع في القرآن إلا في قراءة شاذّة لا سند لها خلافاً لفعل ( يذر ) . ولا شك أن سبب ذلك أن فعل ( يذر ) يدل على ترك مع إعراض عن المتروك بخلاف ( يدع ) فإنه يقتضي تركاً مؤقتاً وأشار إلى الفرق بينهما كلام الراغب فيهما . وهنالك عدة أجوبة أخرى ، هي بالإِعراض عنها أَحْرى .


[349]: - لم أقف على ذكر كاتب يلقب بالرشيد وأحسب أنه راشد بن إسحاق بن راشد أبا حليمة الكاتب. كان شاعرا ماجنا، ترجمه ياقوت وذكر أنه اتصل بالوزير عبد الملك بن الزيات وزير المعتصم ( 173 / 233)
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (126)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 124]

"إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتّقُونَ"؟ يقول حين قال لقومه في بني إسرائيل: ألا تتقون الله أيها القوم، فتخافونه، وتحذرون عقوبته على عبادتكم ربا غير الله، وإلها سواه "وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الخالِقِينَ "يقول: وتَدَعون عبادةَ أحسنِ مَن قيل له خالق.

وقد اختلف في معنى بَعْل؛ فقال بعضهم: معناه: أتدعون ربا، وقالوا: هي لغة لأهل اليمن معروفة فيهم... تقول: مَنْ بَعْل هذا الثور: أي من رَبّه؟...

وقال آخرون: هو صنم كان لهم يقال له بَعْل، وبه سميت بعلبك...

وقال آخرون: كان بَعْل: امرأة كانوا يعبدونها...

وللبَعْل في كلام العرب أوجه: يقولون لربّ الشيء هو بَعْلَهُ، يقال: هذا بَعْل هذه الدار، يعني ربّها، ويقولون لزوج المرأة بعلُها، ويقولون لما كان من الغروس والزروع مستغنيا بماء السماء، ولم يكن سَقِيا بل هو بعل، وهو العَذْي... وتأويل الكلام: ذلك معبودكم أيها الناس الذي يستحقّ عليكم العبادة: ربكم الذي خلقكم، وربّ آبائكم الماضين قبلكم، لا الصنم الذي لا يخلق شيئا، ولا يضرّ ولا ينفع.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل أنهم قالوا: من أحسن الخالقين؟ فقال عند ذلك ما ذكر، ونعته: {الله ربكم وربّ آبائكم الأولين}.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الذي دبركم وخلقكم، وخلق آباءكم "الأولين "من مضى من آبائكم وأجدادكم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه لما عابهم على عبادة غير الله، صرح بالتوحيد ونفي الشركاء، فقال: {الله ربكم ورب آبائكم الأولين}.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الإنسان يعلم يقيناً أنه لم يرب نفسه إلا بالإنشاء من العدم ولا بما بعده، وكان الإحسان أعظم عاطف للإنسان، قال مبيناً لمن أراد مذكراً لهم بإحسانه إليهم وإلى من يحامون عنهم، ويوادون من كان يوادهم بالتربية بعد الإنشاء من العدم الذي هو أعظم تربية مفخماً للأمر ومعظماً بالإبدال في قراءة الجماعة بالرفع: {الله} فذكر بالاسم الأعظم الجامع لجميع الصفات تنبيهاً على أنه الأول المطلق الذي لم يكن شيء إلا به.

{ربكم} أي المحسن إليكم وحده.

ولما كانوا ربما أسندوا إيجادهم إلى من قبلهم غباوة منهم أو عناداً قال: {ورب آبائكم الأولين} أي الذين هم أول لكم، فشمل ذلك آباءهم الأقربين، ومن قبلهم إلى آدم عليه السلام.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

التَّعرُّضُ لذكرِ ربوبيَّتهِ تعالى لآبائهم لتأكيدِ إنكارِ تركهِم عبادته تعالى، والإشعارِ ببُطلان آراءِ آبائهم أيضاً.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(ربّ) هنا أفضل منبّه للعقل والتفكير، لأنّ أهمّ قضيّة في حياة الإنسان هي أن يعرف من الذي خلقه؟ ومن هو مالكه ومربّيه وولي نعمته اليوم؟