التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَمَن يَلۡعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ نَصِيرًا} (52)

ثم بين - سبحانه - مصيرهم السئ بسبب انحرافهم عن الحق فقال - تعالى - { أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله } .

أى : أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان ، فأيدوا المشركين بالقول والعمل وسجدوا لأصنامهم ، وزكوا أفعالهم . . . أولئك الذين هذه صفاتهم { لَعَنَهُمُ الله } أى : أبعدهم عن رحمته وطردهم وأخزاهم بسبب كذبهم فى حقدهم وإيثارهم عبادة الشيطان على طاعة الرحمن .

{ وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } أى ومن يلعنه الله ويبعده عن رحمته فلن تجد له ناصرا ينصره ، أو شفيعا يشفع له .

واسم الإِشارة { أولئك } مبتدأ . والموصول وصلته خبر . والجملة مستأنفة لبيان حالهم . وإظهار سوء مآلهم .

والإِتيان باسم الإِشارة هنا فى نهاية البلاغة ، لأن من بلغ وصف حاله هذا المبلغ صار جديراً بأن يشار إليه بكل ازدراء واحتقار .

وفى قوله { وَمَن يَلْعَنِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } بيان لحرمانهم ثمرة استنصارهم بمشركى قريش ، وإيماء إلى وعد المؤمنين بأنهم المنصورون ، لأنهم هم المقربون عند الله ، ومن يقربه الله فلن تجد له خاذلا .

هذا ، وتحالف أولئك اليهود مع المشركين ، وتفضيلهم إياهم على المؤمنين - كما حكته الآية الكريمة - قد شهد بقبحه واحد من اليهود هو الدكتور إسرائيل ولفنسون . فقد قال فى كتابه " تاريخ اليهود فى جزيرة العرب " معلقا على هذه القصة :

وكان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا فى هذا الخطأ الفاحش ، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإِسلامى ولو أدى بهم الأمر إلى عدم إجابة مطلبهم ، لأن بنى إسرائيل الذين كانوا لمدة قرون حاملى راية التوحيد فى العالم بين الأمم الوثنية باسم الأباء الأقدمين ، والذين نكبوا بنكبات لا تحصى من تقتيل واضطهاد بسبب إيمانهم بإله واحد فى عصور شتى من الأدوار التاريخية .

كان من واجبهم أن يضحوا بحياتهم وكل عزيز عليهم فى سبيل أن يخذلوا المشركين ، هذا فضلا عن أنهم بالتجائهم إلى عبدة الأوثان ، إنما كانوا يحاربون أنفسهم ، ويناقضون تعاليم التوراة التى توصيهم بالنفور من عبدة الأصنام ، والوقوف منهم موقف الخصومة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَمَن يَلۡعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ نَصِيرًا} (52)

{ أولئك } هم المراد من بني إسرائيل ، فمن قال : كانوا جماعة فذلك مستقيم لفظاً ومعنى ، ومن قال : هو كعب أو حيي ، فعبر عنه بلفظ الجمع ، لأنه كان متبوعاً ، وكان قوله مقترناً بقول جماعة .

و { لعنهم } معناه : أبعدهم من خيره ومقتهم ، ومن يفعل الله ذلك به ويخذله فلا ناصر له من المخلوقين ، وإن نصرته طائفة ، فنصرتها كلا نصرة ، إذ لا تغني عنه شيئاً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَمَن يَلۡعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ نَصِيرًا} (52)

عقّب التعجيب بقوله { أولئك الذين لعنهم الله } . وموقع اسم الإشارة هنا في نهاية الرشاقة ، لأنّ من بلغ مِن وصف حاله هذا المبلغ صار كالمشاهد ، فناسب بعد قوله { ألم ترى } أن يشار إلى هذا الفريق المدّعى أنه مرئيّ ، فيقال : ( أولئك ) . وفي اسم الإشارة تنبيه على أنّ المشار إليهم جديرون بما سيذكر من الحكم لأجل ما تقدّم من أحوالهم .

والصلة التي في قوله { الذين لعنهم الله } ليس معلوماً للمخاطبين اتّصافُ المخبر عنهم بها اتّصاف من اشتهر بها ؛ فالمقصود أنّ هؤلاء هم الذين إن سمعتم بقوم لعنهم الله فهم هم .

ويجوز أن يكون المسلمون قد علموا أنّ اليهود ملعونون ، فالمقصود من الصلة هو ما عطف عليها بقوله { ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً } . والموصول على كلا الاحتمالين فيه إيماء إلى تعليل الإخبار الضمني عنهم : بأنّهم لا نصير لهم ، لأنّهم لعنهم الله ، والذي يلعنه لا نصير له . وهذا مقابل قوله في شأن المسلمين { والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليّاً وكفى بالله نصيراً } [ النساء : 45 ] .