التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ} (73)

وقوله - تعالى - : { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } تبكيت وتأنيب لهم .

أى : ثم قيل بعد هذا العذاب المهين لهم : أين تلك الآلهة التى كنتم تعبدونها من دون الله ، لكى تدفع عنكم شيئا من العذاب الأليم الذى نزل بكم ؟

وقوله : { قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً .

. . } حكاية لجوابهم الذى يدل على حسرتهم وبؤسهم .

أى : قالوا : ذهبوا وضاعوا وغابوا عنا ولم نعد نعرف لهم طريقا ، ولا هم يعرفون عنا طريقا . ثم أضربوا عن هذا القول توهما منهم أن هذا الإضراب ينفعهم فقالوا : بل لم نكن نعبد من قبل فى الدنيا شيئا يعتد به ، وإنما كانت عبادتنا لتلك الآلهة أوهاما وضلالا . .

وقوله - تعالى - : { كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين } أى مثل هذا الضلال البين والتخبط الواضح ، يضل الله - تعالى - الكافرين ، ويجعلهم يتخبطون فى إجابتهم على السائلين لهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ} (73)

{ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون* من دون الله قالوا ضلوا عنا } غابوا عنا وذلك قبل أن تقرن بهم آلهتهم ، أو ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم . { بل لم نكن ندعو من قبل شيئا } أي بل تبين لنا لم نكن نعبد شيئا بعبادتهم فإنهم ليسوا شيئا يعتد به كقولك : حسبته شيئا فلم يكن . { كذلك } مثل ذلك الضلال . { يضل الله الكافرين } حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة ، أو يضلهم عن آلهتهم حتى لو تطالبوا لم يتصادفوا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ} (73)

( ثمّ ) هذه للتراخي الرتبي لا محالة لأن هذا القول يقال لهم قبل دخول النار ، بدليل أن مما وقع في آخر القول : { ادخُلوا أبْوَابَ جَهَنَّم } ، ودخول أبواب جهنم قبل السحْب في حميمها والسَّجْرِ في نارها . وهذا القيل ارتقاء في تقريعهم وإعلان خطَل آرائهم بين أهل المحشر وهو أشد على النفس من ألم الجسم ، ولأن هذا القول مقدمة لتسليط العذاب عليهم لاشتماله على بيان سبب العذاب من عبادة الأصنام وازدهائهم في الأرض بكفرهم ومَرَحِهم ، وهو أيضاً ارتقاء في وصف أحوالهم الدالة على نكالهم إذْ ارتقى من صفة جزائهم على إشراكهم وهو شيء غير مستغرب ترتُّبه على الشرك إلى وصف تحقيرهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها وذلك غريب من أحوالهم وأشدّ دلالة على بطلان إلهية أصنامهم وهو المقصد المهم من القوارع التي سلطت عليهم في هذه السورة . فموقع المعطوف ب ( ثمّ ) هنا كموقع المعطوف بها في قول أبي نواس :

قُل إن ساد ثم سادَ أبوه *** قَبله ثم سادَ من قبلُ جدُّه

من حيث كانت سيادة جدّه أرسخت له سيادة أبيه وأعقبت سيادة نفسه ، وهذا استعمال موجود بكثرة . وصيغ ( قيلَ ) بصيغة المضيّ لأنه محقق الوقوع فكأنه وقع ومَضى وكذلك فعل { قَالُوا ضَلُّوا } .

والقائل لهم : ناطق بإذن الله . و ( أين ) للاستفهام عن مكان الشيء المجهول المكان ، والاستفهام هنا مستعمل في التنبيه على الغلط والفضيحة في الموقف فإنهم كانوا يزعمون أنهم يعبدون الأصنام ليكونوا شفعاء لهم من غضب الله فلما حق عليهم العذاب فلم يجدوا شفعاء ذكروا بما كانوا يزعمونه فقيل لهم { أيْنَ ما كُنْتُم تُشْرِكُون مِن دُوننِ الله } ، فابتدروا بالجواب قبل انتهاء المقالة طمعاً في أن ينفعهم الاعتذار . فجملة { قَالُوا ضَلُوا عنا } معترضة في أثناء القول الذي قيل لهم .