التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَمۡ يَعۡرِفُواْ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (69)

ثم انتقلت السورة إلى توبيخهم - ثالثاً - على كفرهم مع علمهم بصدق الرسول وأمانته ، فقال - تعالى - { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } .

أى : أيكون سبب كفرهم أنهم لم يعرفوا رسلوهم محمداً صلى الله عليه وسلم ؟ كلا فإن هذا لا يصلح سبباً ، إذ هم يعرفون حسبه ونسبه ، وأمانته ، وصدقه ، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين قبل بعثته ، وأبو سفيان - قبل أن يدخل فى الإسلام - شهد أمام هرقل ملك الروم ، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معروفا بصدقه وأمانته قبل البعثة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ لَمۡ يَعۡرِفُواْ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (69)

ثم قال منكرا على الكافرين من قريش : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } أي : أَفَهُمْ{[20601]} لا يعرفون محمدًا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم ، أفيقدرون{[20602]} على إنكار ذلك والمباهتة فيه ؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، للنجاشي ملك الحبشة : أيها الملك ، إن الله بعث إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته . وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل ، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته ، وكانوا بعد كفارًا لم يسلموا ، ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك .


[20601]:- في ف : "هم" وفي أ : "أهم".
[20602]:- في ف ، أ : "أفتقدرون".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ لَمۡ يَعۡرِفُواْ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ} (69)

أما الاستفهام الثالث : المقدر بعد ( أم ) الثانية في قوله : { أم لم يعرفوا رسولهم } فهو استفهام عن عدم معرفتهم الرسول بناء على أن عدم المعرفة به هو أحد احتمالين في شأنهم إذ لا يخلون عن أحدهما ، فأما كونهم يعرفونه فهو المظنون بهم فكان الأجدر بالاستفهام هو عدم معرفتهم به إذ تفرض كما يفرض الشيء المرجوح لأنه محل الاستغراب المستلزم للتغليط ؛ فإن رميهم الرسول بالكذب وبالسحر والشعر يناسب أن لا يكونوا يعرفونه من قبل ، إذ العارف بالمرء لا يصفه بما هو منه بريء ، ولذلك تفرع على عدم معرفتهم إنكارهم إياه ، أي إنكارهم صفاته الكاملة .

فتعليق ضمير ذاتتِ الرسول ب { منكرون } هو من باب إسناد الحكم إلى الذات والمراد صفاتها مثل { حرمت عليكم أمهاتكم } [ النساء : 23 ] . وهذه الصفات هي الصدق والنزاهة عن السحر وأنه ليس في عداد الشعراء .

ولله در أبي طالب في قوله :

لقد علموا أن ابننا لا مكذَّبٌ *** لدينا ولا يعزى لقول الأباطل

وقال تعالى فيما أمر به رسوله { فقد لبثتُ فيكم عُمُرا من قبله } ( أي القرآن ) { أفلا تعقلون } [ يونس : 16 ] .