التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (27)

ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر قدرته ورحمته بعباده فقال - تعالى - { ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

أى : ثم يتوب الله - تعالى - من بعد هذا التعذيب للذين كفروا في الدنيا ، على من يشاء أن يتوب عليهم منهم ، بأن يوفقه للدخول في الإِسلام ، والله - تعالى - واسع المغفرة ، عظيم الرحمة ، لا يحاسب الكافرين بعد إيمانهم على ما حصل منهم من كفر .

قال - تعالى - : { قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } قال ابن كثير : وقوله : { ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ . . . } قد تاب الله على بقية هوزان فاسلموا ، وقدموا عليهم مسلمين ، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة ، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوماً فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم فاختاروا سبيهم ، وكانوا ستة آلاف أسير ، ما بين صبى وامرأة فرده عليهم : وقسم الأموال بين الغانمين ، ونفل أناسا من الطلقاء لكى يتألف قلوبهم على الإِسلام ، فأعطاهم مائة مائة من الإِبل ، وكان من جملة من اعطاهم مائة من الإِبل مالك بن عوف النضرى واستعمله على قومه .

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد ذكرت لامؤمنين بجانب من نعم الله عليهم . ومن رحمته بهم ، وأرشدتهم إلى أن النصر لا يتأتى لمن أعجبوا بكثرتهم فانشغلوا بها عن الاعتماد عليه - سبحانه - وإنما النصر يتأتى لمن أخلصوا لله سرائرهم وعلانيتهم . وباشروا الأسباب الى شرعها - سبحانه - للوصول إلى الفوز والظفر .

قال ابن القيم : افتتح الله - تعالى - غزوات العرب بغزوة بدر ، وختم غزوهم بغزوة حنين ، لهذا يقرن بين هاتين بالذكر ، فقال بدر وحنين وإن كان بينهما سبع سنين . . وبهاتين الغزوتين طفئت جمرة العرب لغزوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين . فالأولى خوفتهم وكسرت من حدتهم ، والثانية استفرغت قواهم ، واستنفدت سهامهم ، وأذلت جمعهم ، حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (27)

وقوله : { ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } قد تاب الله على بقية هوازن ، وأسلموا وقدموا عليه مسلمين ، ولحقوه وقد قارب مكة عند الجِعِرَّانة ، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما ، فعند ذلك خَيَّرهم بين سبيهم وبين أموالهم ، فاختاروا سبيهم ، وكانوا ستة آلاف أسير ما بين صبي وامرأة ، فرده عليهم ، وقسم أموالهم بين الغانمين ، ونفل أناسا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على الإسلام ، فأعطاهم مائةً مائةً من الإبل ، وكان من جملة من أعطي مائة مالك بن عوف النَّضْري ، واستعمله على قومه كما كان ، فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها :

ما إنْ رَأيتُ ولا سَمعتُ بمثْلِه *** في النَّاس كُلّهم بمثل مُحَمَّد

أوْفَى وأعْطَى للجزيل إذا اجتُدى *** ومَتى تَشَأ يُخْبرْكَ عَمّا في غَد

وإذَا الكتيبة عَرّدَتْ أنيابُها *** بالسَّمْهَريّ وَضَرْب كُلّ مُهَنَّد

فَكَأنَّه ليث على أشْبَاله *** وسط الهَبَاءة{[13356]} خَادر في مَرْصَد


[13356]:- في ت ، د : "المياه" ، وفي أ : "المناة".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (27)

{ ثم } للتراخي الرتبي ، عطف على جملة { ثم أنزل الله سكينته على رسوله إلى قوله وذلك جزاء الكافرين } [ التوبة : 26 ] . وهذا إشارة إلى إسلام هوازن بعد تلك الهزيمة فإنّهم جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين ، وسألوه أن يردّ إليهم سبيهم وغنائمهم ، فذلك أكبر منّة في نصر المسلمين إذْ أصبح الجندُ العدوُّ لهم مسلمين معهم ، لا يخافونهم بعد ذلك اليوم .

والمعنى : ثم تاب الله عليهم ، أي على الذين أسلموا منهم فقوله : { يتوب الله من بعد ذلك } دليل المعطوف بثُم ولذلك أتى بالمضارع في قوله : { يتوب الله } دون الفعل الماضي : لأنّ المقصود ما يشمل توبة هوازن وتوبة غيرهم ، للإشارة إلى إفادة تجدّد التوبة على كلّ من تاب إلى الله لا يختصّ بها هوازن فتوبته على هوازن قد عَرفها المسلمون ، فأعلموا بأنّ الله يعامل بمثل ذلك كلّ من ندم وتاب ، فالمعنى : ثم تاب الله عليهم ويتوب الله على من يشاء .

وجملة : { والله غفور رحيم } تذييل للكلام لإفادة أنّ المغفرة من شأنه تعالى ، وأنّه رحيم بعباده إن أنابوا إليه وتركوا الإشراك به .