التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

والفاء في قوله { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ . . . } واقعة في جواب شرط .

والتسبيح لله - تعالى - معناه : تنزيهه - عز وجل - عن كل ما لا يليق به .

والتحميد له - تعالى - معناه : الثناء عليه بما هو أهله من صفات الكمال والجلال .

أى : إن ضاق صدرك - أيها الرسول الكريم - بسبب أقوال المشركين القبيحة ، فافزع إلينا بالتسبيح والتحميد ، بأن تكثر من قول سبحان الله ، والحمد لله .

قال بعض العلماء : فهذه الجملة الكريمة قد اشتملت على الثناء على الله بكل كمال ؛ لأن الكمال يكون بأمرين :

أحدهما : التخلى عن الرذائل ، والتنزه عما لا يليق ، هذا معنى التسبيح .

والثانى : التحلى بالفضائل ، والاتصاف بصفات الكمال ، وهذا معنى الحمد .

فتم الثناء بكل كمال . ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم . . . " .

والمراد بالسجود في قوله - تعالى - { وَكُنْ مِّنَ الساجدين } الصلاة . وعبر عنها بذلك من باب التعبير بالجزء عن الكل ، لأهمية هذا الجزء وفضله ، ففى صحيح مسلم عن أبى هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " .

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة ، أن ترتيب الأمر بالتسبيح والتحميد والصلاة على ضيق الصدر ؛ دليل على أن هذه العبادات ، بسببها يزول المكروه بإذنه - تعالى - ، وتنقشع الهموم . . . ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر لجأ إلى الصلاة .

وروى الإِمام أحمد وأبو داود والنسائى من حديث نعيم بن عمار - رضى الله عنه - أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله - تعالى - : " يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار ، أكفك آخره " .

فينبغى للمسلم إذا أصابه مكروه أن يفزع إلى الله - تعالى - بأنواع الطاعات من صلاة وتسبيح وتحميد وغير ذلك من ألوان العبادات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

85

( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين )

لهذا يؤمر أن يسبح بحمد ربه ويعبده ، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من القوم . ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

وقوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } أي : وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك انقباض وضيق صدر . فلا يهيدنك ذلك ، ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله ، وتوكل على الله فإنه كافيك وناصرك عليهم ، فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة ؛ ولهذا قال : { وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن كثير بن مُرَّة ، عن نعيم بن هَمَّار{[16293]} أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : يا ابن آدم ، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره . .

ورواه أبو داود{[16294]} من حديث مكحول ، عن كثير بن مرة ، بنحوه{[16295]}

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزبه أمر صلَّى .


[16293]:في ت، أ: "عمار".
[16294]:في ت، أ: "أبو داود والنسائي".
[16295]:المسند (5/286) وسنن أبي داود برقم (1289).

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

{ فسبّح بحمد ربك } فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بلا تسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك ، أو فنزهه عما يقولون حامدا له على أن هداك للحق . { وكن من الساجدين } من المصلين ، وعنه عليه الصلاة والسلام ( أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

ثم أمره تعالى بملازمة الطاعة وأن تكون مسلاته عند الهموم ، وقوله { من الساجدين } يريد من المصلين ، فذكر من الصلاة حالة القرب من الله تعالى وهي السجود ، وهي أكرم حالات الصلاة وأقمنها بنيل الرحمة ، وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة »{[7234]} فهذا منه عليه السلام أخذ بهذه الآية .


[7234]:أخرجه الإمام أحمد (5 ـ 388)، والنسائي في المواقيت، عن حذيفة، ولفظه في المسند: (كان إذا حزبه أمر صلى).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ} (98)

الباء في { بحمد ربك } للمصاحبة . والتقدير : فسبح ربّك بحمده ؛ فحُذف من الأول لدلالة الثاني . وتسبيح الله تنزيهه بقول : سُبحان الله .

والأمر في { وكن من الساجدين واعبد ربك } مستعملان في طلب الدّوام .

و { من الساجدين } أبلغ في الاتّصاف بالسجود من ( ساجداً ) كما تقدم في قوله تعالى : { وكونوا مع الصادقين } في سورة براءة ( 119 ) ، وقوله { قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } في سورة البقرة ( 67 ) ونظائرهما .

والساجدون : هم المصلّون . فالمعنى : ودم على الصلاة أنتَ ومن معكَ .

وليس هذا موضع سجدة من سجود التلاوة عند أحد من فقهاء المسلمين . وفي « تفسير القرطبي » عن أبي بكر النقاش أن أبا حُذيفة ( لعلّه يعني به أبا حذيفة اليمان بن المغيرة البصري من أصحاب عكرمة وكان منكر الحديث ) واليمان بن رئاب ( كذا ) رأياها سجدةَ تلاوة واجبة .

قال ابن العربي : شاهدت الإمام بمحراب زكرياء من البيت المقدس سجد في هذا الموضع حين قراءته في تراويح رمضان وسجدتُ معه فيها . وسجود الإمام عجيب وسجود أبي بكر بن العربي معه أعجب للإجماع ؛ على أنه لا سجدة هنا ، فالسجود فيها يعدّ زيادة وهي بدعة لا محالة .