التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كِرَامٗا كَٰتِبِينَ} (11)

وقوله : { كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } صفات أخرى لهؤلاء الملائكة .

أى : وإن عليكم ملائكة من صفاتهم أنهم يحفظون أعمالكم ، ويسجلونها عليكم ، وأنهم لهم عند الله - تعالى - الكرامة والمنزلة الحسنة ، وأنهم يكتبون أعمالكم كلها ، وأنهم يعلمون أفعالكم التى تفعلونها سواء أكانت قليلة أم كثيرة ، صغيرة أم كبيرة .

فالمقصود بهذه الآيات الكريمة : بيان أن البعث حق ، وأن الحساب حق ، وأن الجزاء حق ، وأن أعمال الإِنسان عليه تسجيلا تاما ، بواسطة ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

أما كيفية هذه الكتابة من الملائكة لأعمال الإِنسان ، وعلى أى شئ تكون هذه الكتابة ، ومتى تكون ههذ الكتابة . . فمن الأمور التى يجب الإيمان بها كما وردت ، مع تفويض كنهها وكيفيتها ودقتها إلى الله - تعالى - لأنه لم يرد حديث صحيح عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه فى بيان ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كِرَامٗا كَٰتِبِينَ} (11)

ولما كان جو السورة جو كرم وكرامة ، فإنه يذكر من صفة الحافظين كونهم . . ( كراما ) . . ليستجيش في القلوب إحساس الخجل والتجمل بحضرة هؤلاء الكرام . فإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام من الناس أن يسف أو يتبذل في لفظ أو حركة أو تصرف . . فكيف به حين يشعر ويتصور أنه في كل لحظاته وفي كل حالاته في حضرة حفظة من الملائكة( كرام )لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال والفعال ? !

إن القرآن ليستجيش في القلب البشري أرفع المشاعر بإقرار هذه الحقيقة فيه بهذا التصور الواقعي الحي القريب إلى الإدراك المألوف . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كِرَامٗا كَٰتِبِينَ} (11)

وقوله تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } يعني : وإن عليكم لملائكةً حَفَظَة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح ، فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطُّنَافِسِيّ ، حدثنا وَكيع ، حدثنا سفيان ومِسْعَر ، عن علقمة بن مَرْثَد ، عن مجاهد قال : : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين : الجنابة والغائط . فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بحرم حائط أو ببعيره ، أو ليستره أخوه " .

وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، فوصله بلفظ آخر ، فقال : حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن حفص بن سليمان ، عن علقمة بن مرثد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينهاكم عن التعرِّي ، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم ، الكرام الكاتبين ، الذين لا يُفَارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات : الغائط ، والجنابة ، والغسل . فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه ، أو بحرم حائط ، أو ببعيره " .

ثم قال : حفص بن سليمان لين الحديث ، وقد روي عنه ، واحتمل حديثه{[29818]} .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا زياد بن أيوب ، حدثنا مُبَشّر بن إسماعيل الحلبي ، حدثنا تمام ابن نَجِيح ، عن الحسن - يعني البصري - عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من حافظين يرفعان إلى الله ، عز وجل ، ما حفظا في يوم ، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله تعالى : قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة " .

ثم قال : تفرد به تمام بن نجيح ، وهو صالح الحديث{[29819]} .

قلت : وثقه ابن معين وضعفه البخاري ، وأبو زُرْعة ، وابن أبي حاتم والنسائي ، وابن عدي . ورماه ابن حبان بالوضع . وقال الإمام أحمد : لا أعرف حقيقة أمره .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقُلُوسِي{[29820]} حدثنا بيان بن حمران{[29821]} حدثنا سلام ، عن منصور بن زاذان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله ملائكة{[29822]} يعرفون بني آدم - وأحسبه قال : ويعرفون أعمالهم - فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسَمَّوه ، وقالوا : أفلح الليلة فلان ، نجا الليلة فلان . وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله وذكروه بينهم وسموه ، وقالوا : هلك الليلة فلان " .

ثم قال البزار : سلام هذا ، أحسبه سلام المدائني ، وهو لين الحديث{[29823]} .


[29818]:- (1) مسند البزار برقم (317) "كشف الأستار".
[29819]:- (2) مسند البزار برقم (3252) "كشف الأستار".
[29820]:- (3) في مسند البزار: "الفلوسي" نسبة إلى الفلوس.
[29821]:- (4) في أ: "عمران".
[29822]:- (5) في م: "إن ملائكة الله".
[29823]:- (1) مسند البزار برقم (2195) "كشف الأستار".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كِرَامٗا كَٰتِبِينَ} (11)

وقوله : وَإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ يقول : وإن عليكم رُقَباء حافظين يحفظون أعمالكم ، ويُحْصونها عليكم كِرَاما كاتِبِينَ يقول : كراما على الله كاتبين ، يكتبون أعمالكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : قال بعض أصحابنا ، عن أيوب ، في قوله : وَإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِرَاما كاتِبِينَ قال : يكتبون ما تقولون وما تَعْنُون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كِرَامٗا كَٰتِبِينَ} (11)

فالكرم صفتهم النفسية الجامعة للكمال في المعاملة وما يصدر عنهم من الأعمال ، وأما صفة الكتابة فمراد بها ضبط ما وكّلوا على حفظه ضبطاً لا يتعرض للنسيان ولا للإِجحاف ولا للزيادة ، فالكتابة مستعارة لهذا المعنى ، على أن حقيقة الكتابة بمعنى الخط غير ممكنة بكيفية مناسبة لأمور الغيب .