التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يُنصَرُونَ} (74)

ثم بين - سبحانه - موقفهم الجحودى من هذه النعم فقال : { واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } .

أى : إن هؤلاء الكافرين لم يقابلوا نعمنا عليهم بالشكر ، وإنما قابلوها بالجحود والبطر . فقط تركوا عبادتنا ، واتخذوا من دوننا آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر ، متوهمين أنها تنصرهم عند ما يطلبون نصرها . وراجين أن تدفع عنهم ضرا عند التماس ذلك منها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يُنصَرُونَ} (74)

وفيهم من اتخذ مع هذا كله آلهة من دون الله : ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ) : وفي الماضي كانت الآلهة أصناماً وأوثاناً ، أو شجراً أو نجوماً ، أو ملائكة أو جناً . . والوثنية ما تزال حتى اليوم في بعض بقاع الأرض . ولكن الذين لا يعبدون هذه الآلهة لم يخلصوا للتوحيد . وقد يتمثل شركهم اليوم في الإيمان بقوى زائفة غير قوة الله ؛ وفي اعتمادهم على أسناد أخرى غير الله . والشرك ألوان ، تختلف باختلاف الزمان والمكان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يُنصَرُونَ} (74)

قوله : واتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً يقول : واتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة يعبدونها لَعَلّهُمْ يُنْصَرُونَ يقول : طمعا أن تنصرهم تلك الاَلهة من عقاب الله وعذابه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يُنصَرُونَ} (74)

عطف على جملة { أو لم يروا أنَّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً } [ يس : 71 ] ، أي ألم يروا دلائل الوحدانية ولم يتأملوا جلائل النعمة ، واتخذوا آلهة من دون الله المنعِم والمنفرد بالخلق . ولك أن تجعله عطفاً على الجملتين المفرعتين ، والمقصود من الإِخبار باتخاذهم آلهة من دون الله التعجيب من جريانهم على خلاف حقّ النعمة ثم مخالفةِ مقتضى دليل الوحدانية المدمَج في ذكر النعم .

والإِتيان باسم الجلالة العَلَم دون ضميرٍ إظهارٌ في مقام الإِضمار لما يشعر به اسمه العلم من عظمة الإِلهية إيماء إلى أن اتخاذهم آلهة من دونه جراءة عظيمة ليكون ذلك توطئة لقوله بعده { فلا يحزنك قولهم } [ يس : 76 ] أي فإنهم قالوا ما هو أشد نكراً .

وأما الإِضمار في قوله في سورة الفرقان ( 3 ) : { واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } فلأنه تقدم ذكر انفراده بالإِلهية صريحاً من قوله : { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً } [ الفرقان : 2 ] .

وقوله : { لعلَّهم يُنصرون } وقعت ( لعلّ ) فيه موقعاً غير مألوف لأن شأن ( لعلّ ) أن تفيد إنشاء رجاء المتكلم بها وذلك غير مستقيم هنا . وقد أغفل المفسرون التعرض لتفسيره ، وأهمله علماء النحو واللغةِ من استعمال ( لعلّ ) ، فيتعين : إما أن تكون ( لعلّ ) تمثيلية مكنية بأن شبه شأن الله فيما أخبر عنهم بحال من يرجو من المخبرَ عنهم أن يحصُل لهم خبرُ ( لعلّ ) ، وذكر حرف ( لعلّ ) رمز لرديف المشبه به فتكون جملة { لعلهم ينصرون } معترضة بين { ءَالِهَةً } وبين صفته وهي جملة { لا يستطيعون نصرهم } ، وإما أن يكون الكلام جرى على معنى الاستفهام وهو استفهام إنكاري أو تهكمي والجملة معترضة أيضاً ، وإما أن يجعل الرجاء منصرفاً إلى رجاء المخبر عنهم ، أي راجين أن تنصرهم تلك الآلهة وعلى تقدير قول محذوف ، أي قائلين : لعلنا نُنصر ، وحكي { يُنصَرون } بالمعنى على أحد وجهين في حكاية الأقوال تقول : قال أفعَلُ كذا ، وقال يَفعلُ كذا ، وتكون جملة { لا يستطيعون نصرهم } استئنافاً للرد عليهم . وإما أن تجعل ( لعلّ ) للتعليل على مذهب الكسائي فتكون جملة { لا يستطيعون نصرهم } استئنافاً .

والمقصود : الإِشارة إلى أن الكفار يزعمون أن الأصنام تشفع لهم عند الله في أمور الدنيا ويقولون : { هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } [ يونس : 18 ] وهم سالكون في هذا الزعم مسلك ما يألفونه من الاعتزاز بالموالاة والحلف بين القبائل والانتماء إلى قادتهم ، فبمقدار كثرة الموالي تكون عزّة القبيلة فقاسوا شؤونهم مع ربهم على شؤونهم الجارية بينهم وقياس أمور الإِلهية على أحوال البشر من أعمق مهاوي الضلالة .