ثم حكى - سبحانه - ما دار بين الرسل وأصحاب القرية من محاورات فقال : { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرحمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } .
أى : قال أصحاب القرية للرسل على سبيل الاستنكار والتطاول : أنم لستم إلا بشراً مثلنا فى البشرية ، ولا مزية لكم علينا ، وكأن البشرية فى زعمهم تتنافى مع الرسالة ، ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : وما أنزل الرحمن من شئ مما تدعوننا إليه .
ثم وصفوهم بالكذب فقالوا لهم : ما أنتم إلا كاذبون ، فيما تدعونه من أنكم رسل إلينا .
وهكذا قابل أهل القرية رسل الله ، بالإِعراض عن دعوتهم وبالتطاول عليهم ، وبالإِنكار لما جاءوا به ، وبوصفهم بالكذب فيم يقولونه .
هنا اعترض أهل القرية عليهم بالاعتراضات المكرورة في تاريخ الرسل والرسالات . .
( قالوا : ما أنتم إلا بشر مثلنا ) . . ( وما أنزل الرحمن من شيء ) . . ( إن أنتم إلا تكذبون ) . .
وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك ، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول . قد كانوا يتوقعون دائماً أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير . . أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف لا تحيط به الأوهام والأساطير ? كيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها ? ! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلىء بها الأسواق والبيوت ? !
وهذه هي سذاجة التصور والتفكير . فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة . وليست في هذه الصورة الساذجة الطفولية . وإن هنالك لسراً هائلاً ضخماً ، ولكنه يتمثل في الحقيقة البسيطة الواقعة . حقيقة إيداع إنسان من هؤلاء البشر الاستعداد اللدني الذي يتلقى به وحي السماء ، حين يختاره الله لتلقي هذا الوحي العجيب . وهو أعجب من أن يكون الرسول ملكاً كما كانوا يقترحون !
والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية . وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي . النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به . وهم بشر . فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون هم أن يقلدوه .
ومن ثم كانت حياة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] معروضة لأنظار أمته . وسجل القرآن - كتاب الله الثابت - المعالم الرئيسية في هذه الحياة بأصغر تفصيلاتها وأحداثها ، بوصفها تلك الصفحة المعروضة لأنظار أمته على مدار السنين والقرون . ومن هذه التفصيلات حياته المنزلية والشخصية . حتى خطرات قلبه سجلها القرآن في بعض الأحيان ، لتطلع عليها الأجيال وترى فيها قلب ذلك النبي الإنسان .
ولكن هذه الحقيقة الواضحة القريبة هي التي ظلت موضع الاعتراض من بني الإنسان !
ولقد قال أهل تلك القرية لرسلهم الثلاثة : ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) . . وقصدوا أنكم لستم برسل . . ( وما أنزل الرحمن من شيء ) . . مما تدعون أنه نزله عليكم من الوحي والأمر بأن تدعونا إليه . ( إن أنتم إلا تكذبون ) . . وتدعون أنكم مرسلون !
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرّحْمََنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبّنَا يَعْلَمُ إِنّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } .
يقول تعالى ذكره : قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أُرسلوا إليهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إليهم بما أرسلوا به : ما أنتم أيها القوم إلاّ أُناس مثلنا ، ولو كنتم رسلاً كما تقولون ، لكنتم ملائكة وَما أنْزَلَ الرّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ يقول : قالوا : وما أنزل الرحمن إليكم من رسالة ولا كتاب ولا أمركم فينا بشيء إنْ أنْتُمْ إلاّ تَكْذِبُونَ في قيلكم إنكم إلينا مرسلون
كان أهل ( أنطاكية ) والمدن المجاورة لها خليطاً من اليهود وعبدة الأصنام من اليونان ، فقوله : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } صالح لأن يصدر من عبدة الأوثان وهو ظاهر لظنهم أن الآلهة لا تبعث الرسل ولا تُوحي إلى أحد ، ولذلك جاء في سفر أعمال الرسل أن بعض اليونان من أهل مدينة ( لسترة ) رأوا معجزة من بولس النبي فقالوا بلسان يوناني : إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا فكانوا يدعون ( برنابا ) ( زفسَ ) . أي كوكب المشتري ، و ( بولسَ ) ( هُرمسَ ) أي كوكب عطارد وجاءهما كاهن ( زفس ) بثيران ليذبحها لهما ، وأكاليل ليضعها عليهما ، فلما رأى ذلك ( بولس وبرنابا ) مزّقا ثيابهما وصرخا : « نحن بشر مثلكم نعظكم أن ترجعوا عن هذه الأباطيل إلى الإِله الحي الذي خلق السماوات والأرض » الخ .
وصالح لأن يصدر من اليهود الذين لم يتنصّروا لأن ذلك القول يقتضي أنهما وبقية اليهود سواء وأن لا فضل لهما بما يزعمون من النبوءة ويقتضي إنكار أن يكون الله أنزل شيئاً ، أي بعد التوراة . فمن إعجاز القرآن جمع مقالة الفريقين في هاتين الجملتين .
واختيار وصف { الرحمان } في حكاية قول الكفرة { وما أنزل الرحمان من شيء } لكونه صالحاً لعقيدة الفريقين لأن اليونان لا يعرفون اسم الله ، وربُّ الأرباب عندهم هو ( زفس ) وهو مصدر الرحمة في اعتقادهم ، واليهود كانوا يتجنبون النطق باسم الله الذي هو في لغتهم ( يَهْوَه ) فيعوضونه بالصفات .
والاستثناء في { إن أنتم إلا تكذبون } استفهام مفرغ من أخبار محذوفة فجملة { تكذبون } في موضع الخبر عن ضمير { أنتم } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أُرسلوا إليهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إليهم بما أرسلوا به: ما أنتم أيها القوم إلاّ أُناس مثلنا، ولو كنتم رسلاً كما تقولون، لكنتم ملائكة.
"وَما أنْزَلَ الرّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ" يقول: قالوا: وما أنزل الرحمن إليكم من رسالة ولا كتاب ولا أمركم فينا بشيء.
"إنْ أنْتُمْ إلاّ تَكْذِبُونَ" في قيلكم إنكم إلينا مرسلون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
كذلك قول أهل مكة عن رسول الله: إنه ساحر، وإنه مجنون، وإنه مفتر مختلق وقولهم: {وما أنزل الرحمان من شيء}.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"ما أنتم إلا بشر مثلنا" أي ليس أنتم إلا بشر أمثالنا، فدخلت عليهم الشبهة، فاعتقدوا أنه من حيث إنهم أمثالهم في البشرية لا يصلح أن يكونوا رسلا كما لا يصلحون هم لذلك، "وما انزل الرحمن من شيء" مما تذكرونه وتدعونا إليه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الأمة أنكرت النبوءة بقولها: {وما أنزل الرحمن من شيء}...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا} لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
قالوا} أي أهل القرية: {ما أنتم} أي وإن زاد عددكم. {إلا} ولما نقض الاستثناء النفي زال شبهة ما تلبس فزال عملها فارتفع قوله: {بشر مثلنا} أي فما وجه الخصوصية لكم في كونكم رسلاً دوننا، ولما كان التقدير: فما أرسلتم إلينا بشيء، عطفوا عليه قوله:: {وما أنزل الرحمن} أي العام الرحمة، فعموم رحمته مع استوائنا في عبوديته تقتضي أن يسوي بيننا في الرحمة فلا يخصكم بشيء دوننا، وأعرقوا في النفي بقولهم: {من شيء}.
ولما كان الإتيان على ما ذكر محتملاً للغلط ونحوه، قالوا دافعين لذلك: {إن} أي ما {أنتم إلا تكذبون} أي حالاً ومآلاً.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
ظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية؛ لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام، وكان تخصيص هذا الاسم الجليل من بين أسمائه عز وجل؛ لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال الوحي لاستدعائه تكليفاً لا يعود منه نفع له سبحانه ولا يتوقف إيصاله تعالى الثواب إلى البعض عليه.
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} اختيار تكذبون على كاذبون للدلالة على التجدد.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هنا اعترض أهل القرية عليهم بالاعتراضات المكرورة في تاريخ الرسل والرسالات.. (قالوا: ما أنتم إلا بشر مثلنا).. (وما أنزل الرحمن من شيء).. (إن أنتم إلا تكذبون).. وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. قد كانوا يتوقعون دائماً أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير.. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف لا تحيط به الأوهام والأساطير؟ كيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها؟! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلئ بها الأسواق والبيوت؟!
وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. وليست في هذه الصورة الساذجة الطفولية. وإن هنالك لسراً هائلاً ضخماً، ولكنه يتمثل في الحقيقة البسيطة الواقعة. حقيقة إيداع إنسان من هؤلاء البشر الاستعداد اللدني الذي يتلقى به وحي السماء، حين يختاره الله لتلقي هذا الوحي العجيب. وهو أعجب من أن يكون الرسول ملكاً كما كانوا يقترحون!
والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي. النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.
ومن ثم كانت حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] معروضة لأنظار أمته. وسجل القرآن -كتاب الله الثابت- المعالم الرئيسية في هذه الحياة بأصغر تفصيلاتها وأحداثها، بوصفها تلك الصفحة المعروضة لأنظار أمته على مدار السنين والقرون. ومن هذه التفصيلات حياته المنزلية والشخصية. حتى خطرات قلبه سجلها القرآن في بعض الأحيان، لتطلع عليها الأجيال وترى فيها قلب ذلك النبي الإنسان.
ولكن هذه الحقيقة الواضحة القريبة هي التي ظلت موضع الاعتراض من بني الإنسان!
ولقد قال أهل تلك القرية لرسلهم الثلاثة: (ما أنتم إلا بشر مثلنا).. وقصدوا أنكم لستم برسل.. (وما أنزل الرحمن من شيء).. مما تدعون أنه نزله عليكم من الوحي والأمر بأن تدعونا إليه. (إن أنتم إلا تكذبون).. وتدعون أنكم مرسلون!
فلما كذَّبوا وأنكروا للمرة الثانية كان لا بُدَّ من تأكيد الكلام على هذا النحو: {إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} وكل كلمة من هذه العبارة فيها تأكيد، أولاً بإنَّ، ثم أسلوب القصر في تقديم الجار والمجرور إليكم، ثم لام التوكيد في (لمرسلون)، إذن: على قَدْر الإنكار يكون التأكيد، وهؤلاء ينكرون الرسالة من عدة وجوه أولاً: {قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [يس: 15]، ثم {وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ} [يس: 15]، ثم {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} [يس: 15].
وقولهم: {مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [يس: 15] يعتبرون أن بشرية الرسل قَدْح في الرسالة، لكن كيف تتحقق الرسالة إذا لم يكُنْ الرسول من البشر؟
الحق سبحانه يناقشهم هذه المسألة في موضع آخر، فيقول سبحانه:
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً} [الإسراء: 94-95].
هذا أول ردٍّ عليهم، فالذين يمشون على الأرض بشر ليسوا ملائكة.
وفي موضع آخر يجاري الحق الخَلْق، فيقول: وحتى لو جاء الرسول مَلَكاً لا بُدَّ أن ينزل على صورة البشر: {وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً} [الأنعام: 9] وإلا كيف تروْنه؟ وكيف تتلقَّوْن منه على صورته الملائكية.
إذن: لا بُدَّ أنْ يكون الرسول من جنس المرسَل إليهم لتِصحَّ الأُسْوة فيه، وكيف تتحقق الأسوة في الرسول الملَك، وهو لا يعصي الله أصلاً، والرسول مُطالب أنْ يُبلِّغ منهج الله، وأنْ يُطبقه بنفسه، لذلك قال سبحانه:
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] يعني: يُطبق هو المنهج الذي جاء به قبل أن يُبلِّغه للناس.
وقولهم: {وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ} [يس: 15] دلّ على غبائهم في الأداء، فعجيب منهم أنْ يعترفوا لله تعالى بصفة الرحمة، وهم لا يؤمنون به، ومن مقتضيات هذه الرحمة أن يرسل إليهم رسولاً يدلُّهم على الخير ويدفعهم عن الشر، إذن: يعترفون بالحيثية التي تدينهم، ثم يزيدون على ذلك فيتهمون الرسل بالكذب: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} [يس: 15].
وعندها يؤكد الرسل رسالتهم، فيقولون: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فكلمة {رَبُّنَا يَعْلَمُ} حلّت محلّ القسم: لأنهم يُشْهِدون الله على صِدْق رسالتهم، والقسم عند العرب لإثبات قضية مختلف عليها، وما دام قال الرسل {رَبُّنَا يَعْلَمُ} فالأمر إما أنْ يكون صحيحاً، أو غير صحيح، فإنْ كان غير صحيح فقد كذبوا على الله...
هؤلاء الكفار في تكذيبهم للرسل يعتقدون أنهم بذلك يَغَارُونَ لله وينتقمون من الرسل الذين يكذبون عليه سبحانه، فيقولون:
{قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ...}.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إذا كان مقرّراً أن يأتي رسول من قبل الله سبحانه، فيجب أن يكون ملكاً مقرّباً وليس إنساناً مثلنا. هذه هي الذريعة التي تذرّعوا بها لتكذيب الرسل وإنكار نزول التشريعات الإلهية، والمحتمل أنّهم يعلمون بأنّ جميع الأنبياء على مدى التاريخ كانوا من نسل آدم، من جملتهم إبراهيم الخليل (عليه السلام)، الذي عرف برسالته، ومن المسلّم أنّه كان إنساناً، وناهيك عن أنّه هل يمكن لغير الإنسان أن يدرك حاجات الإنسان ومشكلاته وآلامه؟
وثمّ لماذا أكّدت الآية أيضاً على صفة «الرحمانية» لله؟ لعلّ ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى ضمن نقله هذه الصفة في كلامهم يشعر بأنّ الجواب كامن في كلامهم، إذ أنّ الله الذي شملت رحمته العالم بأسره لابدّ أن يبعث الأنبياء والرسل لتربية النفوس والدعوة إلى الرشد والتكامل البشري.
كذلك يُحتمل أيضاً أن يكونوا قد أكّدوا على وصف الرحمانية لله ليقولوا بذلك أنّ الله الرحمن العطوف لا يثير المشاكل لعباده بإرسال الرسل والأنبياء، بل إنّه يتركهم وشأنهم! وهذا المنطق الخاوي المتهاوي يتناسب مع مستوى تفكير هذه الفئة الضالّة..