مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

قوله تعالى : { أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون } فيه مسائل :

المسألة الأولى : ما وجه التعلق والمناسبة بين الكلامين ؟ قلنا يبين ذلك ببيان المراد من قوله { أم يريدون كيدا } فبعض المفسرين قال أم يريدون أن يكيدوك فهم المكيدون ، أي لا يقدرون على الكيد فإن الله يصونك بعينه وينصرك بصونه ، وعلى هذا إذا قلنا بقول من يقول { أم عندهم الغيب } متصل بقوله تعالى : { نتربص به ريب المنون } فيه ترتيب في غاية الحسن وهو أنهم لما قالوا { نتربص به ريب المنون } قيل لهم أتعلمون الغيب فتعلمون أنه يموت قبلكم أم تريدون كيدا فتقولون نقتله فيموت قبلنا فإن كنتم تدعون الغيب فأنتم كاذبون ، وإن كنتم تظنون أنكم تقدرون عليه فأنتم غالطون فإن الله يصونه عنكم وينصره عليكم ، وأما على ما قلنا إن المراد منه أنه صلى الله عليه وسلم لا يسألكم على الهداية مالا وأنتم لا تعلمون ما جاء به لولا هدايته لكونه من الغيوب ، فنقول فيه وجوه : ( الأول ) أن المراد من قوله تعالى : { أم يريدون كيدا } أي من الشيطان وإزاغته فيحصل مرادهم كأنه تعالى قال أنت لا تسألهم أجرا وهم يعلمون الغيب فهم محتاجون إليك وأعرضوا فقد اختاروا كيد الشيطان ورضوا بإزاغته ، والإرادة بمعنى الاختيار والمحبة ، كما قال تعالى : { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } وكما قال : { أئفكا ءالهة دون الله تريدون } وأظهر من ذلك قوله تعالى : { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } ( الوجه الثاني ) أن يقال إن المراد ، والله أعلم أم يريدون كيدا لله فهو واصل إليهم وهم عن قريب مكيدون ، وترتيب الكلام هو أنهم لما لم يبق حجة في الإعراض فهم يريدون نزول العذاب بهم والله أرسل إليهم رسولا لا يسألهم أجرا ويهديهم إلى ما لا علم لهم ولا كتاب عندهم وهم يعرضون ، فهم يريدون إذا أن يهلكهم ويكيدهم ، لأن الاستدراج كيد والإملاء لازدياد الإثم ، كذلك لا يقال هو فاسد لأن الكيد والإساءة لا يطلق على فعل الله تعالى إلا بطريق المقابلة ، وكذلك المكر فلا يقابله أساء الله إلى الكفار ولا اعتدى الله إلا إذا ذكر أولا فيهم شيء من ذلك ، ثم قال بعد ذلك بسببه لفظا في حق الله تعالى كما في قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } وقال : { ومكروا ومكر الله } وقال : { يكيدون كيدا * وأكيد كيدا } لأنا نقول الكيد ما يسوء من نزل به وإن حسن ممن وجد منه ، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال : { لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين } من غير مقابلة .

المسألة الثانية : ما الفائدة في قوله تعالى : { فالذين كفروا هم المكيدون } ؟ وما الفرق بين معنى هذا الكلام ومعنى قول القائل : أم يريدون كيدا فهم المكيدون ؟ نقول الفائدة كون الكافر مكيدا في مقابلة كفره لا في مقابلة إرادته الكيد ولو قال : أم يريدون كيدا فهم المكيدون ، كان يفهم منه أنهم إن لم يريدوه لا يكونوا مكيدين ، وهذا يؤيد ما ذكرناه أن المراد من الكيد كيد الشيطان أو كيد الله ، بمعنى عذابه إياهم لأن قوله { فالذين كفروا هم المكيدون } عام في كل كافر كاده الشيطان ويكيده الله أي يعذبه ، وصار المعنى على ما ذكرناه أتهديهم لوجه الله أم تسألهم أجرا فتثقلهم فيمتنعون عن الإتباع ، أم عندهم الغيب فلا يحتاجون إليك فيعرضون عنك ، أم ليس شيء من هذين الأمرين الأخيرين فيريدون العذاب ، والعذاب غير مدفوع عنهم بوجه من الوجوه لكفرهم فالذين كفروا معذبون .

المسألة الثالثة : ما الفائدة في تنكير الكيد حيث لم يقل أم يريدون كيدك أو الكيد أو غير ذلك ليزول الإبهام ؟ نقول فيه فائدة ، وهي الإشارة إلى وقوع العذاب من حيث لا يشعرون فكأنه قال يأتيهم بغتة ولا يكون لهم به علم أو يكون إيرادا لعظمته كما ذكرنا مرارا .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

42 - بل أيريدون مكرا بك وإبطالا لرسالتك ؟ ، فالذين كفروا هم الذين يحيق بهم مكرهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

{ أم يريدون كيدا } وهو كيدهم في دار الندوة برسول الله صلى الله عليه وسلم . { فالذين كفروا } يحتمل العموم والخصوص فيكون وضعه موضع الضمير للتسجيل على كفرهم ، والدلالة على أنه الموجب للحكم المذكور .

{ هم المكيدون } هم الذين يحيق بهم الكيد أو يعود عليهم وبال كيدهم ، وهو قتلهم يوم بدر أو المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } أي أن يمكروا بك مكراً { فَالَّذِينَ كَفرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ } .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

35

المفردات :

كيدا : مكرا وشرا .

المكيدون : الذين يحيق بهم الشرّ ، ويعود إليهم وباله .

التفسير :

42- { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } .

هل يريدون تدبير أذى للرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لا يستطيعون ذلك ، فالله يعصمه من الناس ، وسيقع جزاء كيدهم وشرّهم بهم .

وهذه الآية من إعجاز القرآن وإخباره بالغيب ، فقد نزلت قبل الهجرة ، حيث اجتمع الكفار في دار الندوة ، يدبِّرون الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

فمنهم من يرى حبسه ، ومنهم من يرى نفيه خارج مكة ، ومنهم من يرى أن يُختار من كل قبيلة شاب ، ويعطى كل شاب سيفا صارما بتارا ، ويضرب الجميع محمدا ضربة رجل واحد ، وبذلك يتفرق دمه في القبائل ، فلا يقدر بنو عبد مناف على قتالهم ، فيقلبون الدِّية في دمه ، ثم استقروا واتفقوا على هذا الرأي ، لكن الله تعالى أبطل كيدهم ، وحفظ رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأخرجه من بينهم ، وقد أعمى الله أبصارهم عنه ، ويسَّر طريق الهجرة لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم هزمهم الله في بدر ، وظل شأنهم في انحدار ، وشأن الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع ، حتى فتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .

من حاشية الجمل

أريد أن أنقل لك نبذة وصورة من حاشية الجمل على تفسير الجلالين ، لتحيط بأسلوب التأليف للشيخ سليمان بن عمر العجيلي الشافعي بالجمل المتوفى سنة 1204 ه ، حيث يقول ( 4/220 ) :

{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا . . . }

أي : مكرا وتحيلا في هلاكك .

وفي المصباح : كاده كيدا ، من باب باع ، خدعه ومكر به ، والاسم : المكيدة ، أ . ه .

والاستفهام إنكاري ، على معنى نفي اللياقة والانبغاء ، أي : لا ينبغي ولا يليق منهم هذه الإرادة ، أي التشاور والاجتماع على كيدك ، كما ذكر في قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } . ( الأنفال : 30 )

وكان هذا المكر في دار الندوة ، وهي دار من دور أهل مكة .

والظاهر أنه من الإخبار بالغيب ، فإن السورة مكية ، وذلك الكيد كان وقوعه ليلة الهجرة .

{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } .

هذا من وقوع الظاهر موقع الضمير ، تنبيها على اتصافهم بهذه الصفة القبيحة ، والأصل : أم يريدون كيدا فهم المكيدون . أو حكم على جنس هم نوع منه ، فيندرجون فيه اندراجا أوليا ، لتوغلهم في هذه الصّفة .

ثم أهلك الله الكافرين في غزوة بدر وما بعدها من غزوات . vi

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

{ هم المكيدون } هم المغلوبون الذين يحيق بهم كيدهم ، ويعود عليهم وباله . اسم مفعول من المكيد ، وهو المكر والخبث والحيلة والحرب . وهو إشارة إلى ما دبروه في دار الندوة بمكة من الفتك به صلى الله عليه وسلم ؛ فعصمه الله منهم وردهم خائبين . وقتلوا يوم بدر في السنة الخامسة عشرة من البعثة . وقد كررت " أم " – كما قدمنا – خمس عشرة مرة ؛ بعدد هذه السنين ، ولذا قالوا : إنه من معجزات القرآن ؛ وكم له من معجزات وغرائب وأسرار ! !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

كيداً : شراً .

مَكيدون : يحيق بهم الشر ويعود عليهم وباله .

بل يريد هؤلاء المشركون بقولهم هذا وافترائهم كيداً في رسول الله وفي الناس . فإن كان هذا ما يريدون فكيدُهم راجعٌ إليهم ووبالُه على أنفسهم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

شرح الكلمات :

{ أم يريدون كيداً } : أي مكراً وخديعة بك وبالدين .

{ فالذين كفروا هم المكيدون } : أي فالكافرون هم المكيدون المغلوبون .

المعنى :

وقوله : { أم يريدون كيداً } أي أيريدون بك وبدينك كيداً ؛ ليقتلوك ويبطلوا دينك فالذين كفروا هم المكيدون ولست أنت ولا دينك . ولم يمض عن نزول هذه الآيات طويلُ زمن حتى هلك أولئك الكائدون ونصر الله رسوله وأعز دينه والحمد لله رب العالمين .

الهداية

من الهداية :

- صدق القرآن في أخباره آية أنه وحي الله وكلامه صدقاً وحقاً إنه لم يمض إلا قليل من الوقت أي خمسة عشر عاماً حتى ظهر مصداق قول الله تعالى فالذين كفروا هم المكيدون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمۡ يُرِيدُونَ كَيۡدٗاۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلۡمَكِيدُونَ} (42)

وقوله : { أَمْ يُرِيدُونَ } بقدحهم فيك وفيما جئتهم به { كَيْدًا } يبطلون به دينك ، ويفسدون به أمرك ؟

{ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ } أي : كيدهم في نحورهم ، ومضرته عائدة إليهم ، وقد فعل الله ذلك -ولله الحمد- فلم يبق الكفار من مقدورهم من المكر شيئا إلا فعلوه ، فنصر الله نبيه ودينه عليهم{[888]}  وخذلهم وانتصر منهم .


[888]:- في ب: فنصر الله نبيه عليهم، وأظهر دينه، وخذلهم.