روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

وقوله تعالى : { أَنَّا صَبَبْنَا الماء } بدل منه بدل اشتمال فإنه لكونه من أسباب تكونه كالمشتمل عليه والعائد محذوف أي { صَبَبْنَا } له وجوز كونه بدل كل من كل على معنى فلينظر الإنسان إلى انعامنا في طعامه أنا { صَبَبْنَا } الخ وهو كما ترى وأياً ما كان فالمقصود بالنظر هو البدل وبذلك يضعف ما روى عن أبي وابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم أن المعنى فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعاً ليتأمل عاقبة الدنيا وما تهالك عليه أهلها ولعمري أن هذا بعيد الإرادة عن السياق ولا أظن أنه وقع على صحة روايته عن هؤلاء الأجلة الاتفاق وظاهر الصب يقتضي تخصيص الماء بالغيث وهو المروي عن ابن عباس وجوز بعضهم إرادة الأعم وقال إن في كل ماء صبا من الله تعالى بخلق أسبابه على أصول النباتات وأنت تعلم أن إيصال الماء إلى أصول النباتات يبعد تسميته صباً وتأكيد الجملة للاعتناء بمضمونها مع كونها مظنة لإنكار القاصر لعدم الإحساس بفعل من الله تعالى وإنما يعرف الاستناد إليه عز وجل بالنظر الصحيح وقرأ الأكثر إنا بالكسر على الاستئناف البياني كأنه لما أمر سبحانه بالنظر إلى ما رزقه جل وعلا من أنواع المأكولات قيل كيف أحدث ذلك وأوجد بعد أن لم يكن فقيل { أَنَّا صَبَبْنَا } الخ وقرأ الإمام الحسين بن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجههما ورضي سبحانه عنهما أنى { صَبَبْنَا } بفتح الهمزة والإمالة على معنى فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء { صَبّاً } عجيباً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالاً، وصببناه عليها صبا. "ثُمّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا" يقول: ثم فتقنا الأرض، فصدّعناها بالنبات. " فأنْبَتْنا فِيها حَبا": يعني حبّ الزرع، وهو كلّ ما أخرجته الأرض من الحبوب، كالحنطة والشعير وغير ذلك "وَعِنَبا" يقول: وكرم عنب، "وَقَضْبا" يعني بالقَضْب: الرّطْبة، وأهل مكة يسمون القَتّ القَضْب...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أنا صببنا الماء صبا} {ثم شققنا الأرض شقا} ليقر الماء في شقوقها، فيصل الخلق إلى الانتفاع به، أو شققناها للنبات...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: قوله {صببنا} المراد منه الغيث، ثم انظر في أنه كيف حدث الغيث المشتمل على هذه المياه العظيمة، وكيف بقي معلقا في جو السماء مع غاية ثقله، وتأمل في أسبابه القريبة والبعيدة، حتى يلوح لك شيء من آثار نور الله وعدله وحكمته، وفي تدبير خلقة هذا العالم.

المسألة الثانية: قرئ (إنا) -بالكسر -، وهو على الاستئناف، وأنا –بالفتح- على البدل من الطعام، والتقدير {فلينظر الإنسان} إلى أن كيف {صببنا الماء}. قال أبو علي الفارسي: من قرأ بكسر إنا كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعامه...ومن فتح فعلى معنى البدل بدل الاشتمال، لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان المقصود النظر إلى صنائع الله تعالى فيه. وكانت أفعال الإنسان وأقواله في تكذيبه بالبعث أفعال من ينكر ذلك الصنع، قال سبحانه مفصلاً لما يشترك في علمه الخاص والعام من صنائعه في الطعام، مؤكداً تنبيهاً على أن التكذيب بالبعث يستلزم التكذيب بإبداع النبات وإعادته، وذلك في أسلوب مبين أن الإنسان محتاج إلى جميع ما في الوجود، ولو نقص منه شيء اختل أمره، وبدأ أولاً بالسماوي لأنه أشرف، وبالماء الذي هو حياة كل شيء، تنبيهاً له على ابتداء خلقه: {أنّا} أي على ما لنا من العظمة {صببنا الماء} أي الذي جعلنا منه كل شيء حي {صباً}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وصب الماء في صورة المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة، في أية درجة كان من درجات المعرفة والتجربة. فهي حقيقة يخاطب بها كل إنسان. فأما حين تقدم الإنسان في المعرفة فقد عرف من مدلول هذا النص ما هو أبعد مدى وأقدم عهدا من هذا المطر الذي يتكرر اليوم ويراه كل أحد...

الشعراوي- 1419هـ:

كلمة الصب في: {صببنا الماء (} تشعر بالتدفق بغزارة وقوة، فهل هذا يعني أنّا صببنا الماء صبّا بالأمطار؟! ومن أين تأتي تلك الأمطار؟! إنها تأتي من تبخر الماء الذي يوجد في الأرض أصلاً، ثم يصعد البخار إلى السماء، أي يتقطر تقطيراً، ثم يتبخر، ثم يصعد ويتجمع سحاباً، فيصادف المنطقة الباردة فيتقاطر مطراً بإذن الله عز وجل.

إذاً فالآية تتحدث عن الماء الموجود في الكون أولاً قبل أن يحدث البخر والمطر، عندما خلق الله الأرض واستخلف فيها لإنسان أعطاه كمية من المياه، ثم سلكه ينابيع في الأرض، وجعل له البحار والأنهار والعيون.. إلى آخره، ثم بعد ذلك فإن عوامل التبخير تتحكم، ثم يعطينا الله عز وجل المطر، فكأن كلمة: {أنّا صببنا الماء صبّا} تعطينا العملية الأولى.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ يدخل القرآن في شرح تفصيلي لماهية الغذاء ومصدر تشكيله، فيقول (أنّا صببنا الماء صبّاً). «الصب»: إراقة الماء من أعلى، وجاء هنا بمعنى هطول المطر. و«صباً»: تأكيد، وللإشارة إلى غزارة الماء. نعم.. فالماء مصدر رئيسي للحياة، وهو على الدوام ينزل من السماء وبغزارة ليجسد لطف اللّه تعالى على خلقه. كيف لا، وكلّ العيون والآبار والقنوات والأنهار قد استمدت أساس وجودها من الأمطار. وعليه.. فلابدّ للإنسان حين ينظر إلى طعامه أن يربط ذلك بنظام المطر، ويدقق النظر في عملية تكوين الغيوم وكيفية حدوث الأمطار. فالماء المتبخر من سطح البحار، يتجمع في الفضاء على شكل غيوم، وتتحرك تلك الغيوم بفعل الرياح إلى طبقات الجو الباردة، فتبدأ بعملية التكاثف حتى تصل لدرجة الهطول، فترى ذلك البخار وقد تحول إلى قطرات ماء زلال خال من أيّ أملاح مضرة وقد تطهر عن كلّ قذارة، وليستقر في آخر مطافه على الأرض ليعطيها القوّة والحركة والحياة...