اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

قوله تعالى : { أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً } .

قرأ الكوفيون : «أنَّا » بفتح الهمزة غير ممالة .

والباقون{[59381]} : بالكسر .

والحسين بن علي : بالفتح والإمالة .

فأمَّا الفراءة الأولى ، ففيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها بدل من «طَعامه » ، فيكون في محل جر ، واستشكل بعضهم هذا الوجه ، ورد بأنه ليس بواضح .

والثاني : أنه بدلُ اشتمالٍ ، بمعنى أنَّ صبَّ الماء سبب في إخراج الطَّعام ، فهو مشتمل عليه بهذا التقدير ، وقد نحا مكيٌّ إلى هذا فقال : لأن هذه الأشياء مشتملة على الطعام ومنها يتكون ، لأنَّ معنى «إلى طعامهِ » إلى حدوث طعامه كيف يتأتى ، فالاشتمال في هذا إنما هو من الثاني على الأول ؛ لأن الاعتبار إنَّما هو في الأشياء التي يتكون منها الطعام لا في الطعام نفسه .

والوجه الثاني : أنها على تقدير لام العلَّة ، أي فلينظر لأنا ، ثم حذف الخافض فجرى الخلاف المشهور في محلها .

قال القرطبيُّ{[59382]} : ف «أنّا » في موضع خفضٍ على الترجمة عن الطعام ، فهو بدل منه ؛ كأنًّه قال : { فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ } إلى «أنَّا صببنا » ، فلا يحسن الوقف على «طعامه » في هذه القراءة .

والوجه الثالث : أنَّها في محل رفعٍ خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هو أنَّا صَببنَا ، وفيه ذلك النظر المتقدم ؛ لأنَّ الضمير إن عاد على الطعام ، فالطعام ليس هو نفس الصب ، وإن عاد على غيره ، فهو غير معلوم ، وجوابه ما تقدم .

وأما القراءة الثانية : فعلى الاستئناف تقديراً لنعمه عليه .

وأما القراءة الثالثة : «أنَّى » التي بمعنى : «كَيْفَ » ، وفيها معنى التَّعجُّب ، فهي على هذه القراءة كلمة واحدة ، وعلى غيرها كلمتان .

قال القرطبي{[59383]} : فمن أخذ بهذه القراءة ، قال : الوقف على «طعامه » تام ، ويقال : معنى «أنَّى » : أين ، إلاَّ أنَّ فيها كناية عن الوجوه ، وتأويلها : من أي وجهٍ صببنا ؛ قال : الكميت : [ المنسرح ]

5109- أنَّى ، ومِنْ أيْنَ آبَكَ الطَّربُ *** مِنْ حَيْثُ لا صبْوةُ ولا رَيبُ{[59384]}

فصل في المراد بصبّ الماء

قوله : { صَبَبْنَا المآء صَبّاً } ، يعني : الغيث والأمطار .


[59381]:ينظر: السبعة 672، والحجة 6/378، وإعراب القراءات 2/440، وحجة القراءات 750، والكشاف 4/704، والبحرالمحيط 8/421، والدر المصون 6/481.
[59382]:الجامع لأحكام القرآن 19/144.
[59383]:ينظر السابق.
[59384]:ينظر: الكميت وقصائده الهاشميات ص 133، وشرح شواهد الألفية ص 310، وشرح المفصل 4/109، 111، والصاحبي في فقه اللغة ص 242، وشرح شافية ابن الحاجب 3/27، والقرطبي 19/144.