الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَآءَ صَبّٗا} (25)

قوله : { أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً } : قرأ الكوفيون " أنَّا " بفتح الهمزة غيرَ ممالةِ الألف . والباقون بالكسر . والحسنُ بن عليّ بالفتحِ والإِمالةِ . فأمَّا القراءةُ الأولى ففيها ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنها بدلٌ مِنْ " طعامِه " فتكونُ في محلِّ جر . استشكل بعضُهم هذا الوجهَ ، وَرَدَّه : " بأنه ليس الأولَ فيُبْدَلَ منه ؛ لأنَّ الطعامَ ليس صَبَّ الماءِ . ورُدَّ على هذا بوجهَيْن ، أحدهما : أنَّه بدلُ كلٍّ مِنْ كلّ بتأويلٍ : وهو أنَّ المعنى : فَلْيَنْظُرِ الإِنسانُ إلى إنعامِنا في طعامِه فصَحَّ البدلُ ، وهذا ليسَ بواضح . والثاني : أنَّه مِنْ بدلِ الاشتمالِ بمعنى : أنَّ صَبَّ الماءِ سببٌ في إخراجِ الطعامِ فهو مشتملٌ عليه بهذا التقدير . وقد نحا مكي إلى هذا فقال : لأنَّ هذه الأشياءَ مشتملةٌ على الطعامِ ، ومنها يتكوَّنُ ؛ لأنَّ معنى " إلى طعامه " : إلى حدوثِ طعامهِ كيف يتأتَّى ؟ فالاشتمالُ على هذا إنما هو من الثاني على الأولِ ؛ لأنَّ الاعتبارَ إنما هو في الأشياءِ التي يتكوَّن منها الطعامُ لا في الطعامِ نفسِه " .

والوجه الثاني : أنَّها على تقديرِ لامِ العلةِ ، أي : فلينظُرْ لأِنَّا ، ثم حُذِفَ الخافضُ فجرى الخلافُ المشهورُ في محلِّها . والوجهُ الثالث : أنَّها في محلِّ رفعٍ خبراً لمبتدأ محذوفٍ ، أي : هو أنَّا صَبَبْنا ، وفيه ذلك النظرُ المتقدِّم ؛ لأنَّ الضميرَ إنْ عاد على الطعام فالطعامُ ليس هو نفسَ الصَّبِّ ، وإنْ عاد على غيرِه فهو غيرُ معلومٍ ، وجوابُه ما تقدَّمَ .

وأمّا القراءةُ الثانية فعلى الاستئنافِ تعديداً لِنِعَمِه عليه . وأمَّا القراءةُ الثالثةُ فهي " أنَّى " التي بمعنى " كيف " وفيها معنى التعجبِ ، فهي على هذه القراءةِ كلمةٌ واحدةٌ ، وعلى غيرِها كلمتان .