روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ} (92)

{ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضالين } وهم أصحاب الشمال عبر عنهم بذلك حسبما وصفوا به عند بيان أحوالهم بقوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون } [ الواقعة : 51 ] ذمّاً لهم بذلك وإشعاراً بسبب ما ابتلوا به من العذاب ، ولما وقع هذا الكلام بعد تحقق تكذيبهم ورده على أتم وجه ولم يقع الكلام السابق كذلك قدم وصف التكذيب هنا على عكس ما تقدم ، ويجوز أن يقال في ذلك على تقدير عموم متعلق التكذيب بحيث يشمل تكذيبه صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة إن هذا الكلام إخبار من جهته سبحانه بأحوال الأزواج الثلاثة لم يؤمر عليه الصلاة والسلام بأن يشافه بكل جملة منه من هي فيه فقدم فيه وصف التكذيب الشامل لتكذيبه عليه الصلاة والسلام المشعر بسبب الابتلاء بالعذاب كرامة له صلى الله عليه وسلم وتنويهاً بعلو شأنه ، ولما كان الكلام السابق داخلاً في حيز القول المأمور عليه الصلاة والسلام بأن يشافه به أولئك الكفرة لم يحسن التقديم للكرامة إذ يكون حينئذٍ من باب مادح نفسه يقرئك السلام ، ويجوز أن يقال أيضاً إن الكلام في حال الكافر المحتضر والتكذيب لكونه مقابل التصديق لا يكون إلا بالقلب وهو لم يتعطل منه تعطل سائر أعضائه فلذا قدم هنا ، ويرشد إلى هذا ما قالوه في دعاء صلاة الجنازة اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان من وجه تخصيص الإسلام بالإحياء والإيمان بالإماتة .

وقال الإمام في ذلك : إن المراد من الضلال هناك ما صدر عنهم من الإصرار على الحنث العظيم فضلوا عن سبيل الله تعالى ولم يصلوا إليه ثم كذبوا رسله ، { وَقَالُواْ أَءذَا مِتْنَا } الخ فكذبوا بالحشر فقال تعالى : { أَيُّهَا الضالون } الذين أشركتم المكذبون الذين أنكرتم الحشر لآكلون ما تكرهون ، وأما هنا فقال سبحانه لهم : أيها المكذبون الذين كذبتم بالحشر الضالون من طريق الخلاص الذين لا يهتدون إلى النعيم ، وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب هناك مع الكفار فقال سبحانه : أيها الذين أشركتم أولاً وكذبتم ثانياً ، والخطاب هنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يبين له عليه الصلاة والسلام حال الأزواج الثلاثة كما يدل عليه . فسلام لك فقال سبحانه : المقربون في روح وريحان وجنة ونعيم وأصحاب اليمين في سلامة ، وأما المكذبون الذين كذبوك وضلوا فقدم تكذيبهم إشارة إلى كرامته صلى الله عليه وسلم حيث بين أن أقوى سبب في عقابهم تكذيبهم انتهى .

وعليك بالتأمل والإنصاف والنظر لما قال دون النظر لمن قال .