روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ} (6)

{ وَصَدَّقَ بالحسنى } أي بالكلمة الحسنى وهي كما قال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره وروي ذلك عن ابن عباس لا إله إلا الله أو هي ما دلت على حق كما قال بعضهم وتدخل كلمة التوحيد دخولاً أولياً أو بالمالة الحسنى وهي ملة الإسلام وقال عكرمة وجماعة وروي عن ابن عباس أيضاً هي المثوبة بالخلف في الدنيا مع المضاعفة وقال مجاهد الجنة وقيل المثوبة مطلقاً ويترجح عندي أن الإعطاء إشارة إلى العبادة المالية والاتفاء إشارة إلى ما يشمل سائر العبادات من فعل الحسنات وترك السيآت مطلقاً والتصديق بالحسنى إشارة إلى الإيمان بالتوحيد أو بما يعمه وغيره مما يجب الإيمان به وهو تفصيل شامل للمساعي كلها وتقديم الإعطاء لما أنه سبب النزول ظاهراً فقد أخرج الحاكم وصححه عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال أبو قحافة لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أراك تعتق رقابا ضعافاً فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقيمون دونك فقال يا أبه إنما أريد ما أريد فنزلت فأما من أعطى واتقى إلي { وما لأحد عنده من نعمة تجزي } [ الليل : 5-19 ] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن مسعود قال أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق فاعتقه فأنزل الله تعالى والليل إذا يغشى إلى قوله سبحانه { أن سعيكم لشتى } [ الليل : 1-4 ] وكذا على القول بأنها نزلت في أبي الدحداح ولما كان الإيمان أمراً معتنى به في نفسه أخر عن الاتقاء ليكون ذكره بعده من باب ذكر الخاص بعد العام مع ما في ذلك من رعاية الفاصلة وقيل المراد أعطي الطاعة واتتقي المعصية وصدق بالكلمة الدالة على الحق ككلمة الوتحيد وفيه أن المعروف في الإعطاء تعلقه بالمال خصوصاً وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال وأمر تأخير الإيمان عليه بحاله وقيل آخر لأن من جملة إعطاء الطاعة الإصغاء لتعلم كلمة التوحيد التي لا يتم الإيمان إلا بها ومن جملة الاتقاء الاتقاء عن الإشراك وهما مقدمان على ذلك وليس بشيء .