مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ} (6)

وقوله : { وصدق بالحسنى } فالحسنى فيها وجوه ( أحدها ) : أنها قول لا إله إلا الله ، والمعنى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالتوحيد والنبوة حصلت له الحسنى ، وذلك لأنه لا ينفع مع الكفر إعطاء مال ولا اتقاء محارم ، وهو كقوله : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } إلى قوله : { ثم كان من الذين آمنوا } .

( وثانيها ) : أن الحسنى عبارة عما فرضه الله تعالى من العبادات على الأبدان وفي الأموال كأنه قيل : أعطى في سبيل الله واتقى المحارم وصدق بالشرائع ، فعلم أنه تعالى لم يشرعها إلا لما فيها من وجوه الصلاح والحسن ( وثالثها ) : أن الحسنى هو الخلف الذي وعده الله في قوله : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } والمعنى : أعطى من ماله في طاعة الله مصدقا بما وعده الله من الخلف الحسن ، وذلك أنه قال : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله } فكان الخلف لما كان زائدا صح إطلاق لفظ الحسنى عليه ، وعلى هذا المعنى : { وكذب بالحسنى } أي لم يصدق بالخلف ، فبخل بماله لسوء ظنه بالمعبود ، كما قال بعضهم : منع الموجود ، سوء ظن بالمعبود ، وروي عن أبي الدرداء أنه قال : «ما من يوم غربت فيه الشمس إلا وملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين . اللهم أعط كل منفق خلفا وكل ممسك تلفا » ( ورابعها ) : أن الحسنى هو الثواب ، وقيل : إنه الجنة ، والمعنى واحد ، قال قتادة : صدق بموعود الله فعمل لذلك الموعود ، قال القفال : وبالجملة أن الحسنى لفظة تسع كل خصلة حسنة ، قال الله تعالى : { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين } يعني النصر أو الشهادة ، وقال تعالى : { ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا } فسمى مضاعفة الأجر حسنى ، وقال : { إن لي عنده للحسنى } .