التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۭ} (36)

{ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } أما قولهم إنه شاعر فذلك ما لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم وما كان ينبغي له أن يقرض الشعر . وقد بينا في تفسير سورة يس أن رسول الله ما كان شاعرا وما كان بمستطيع أن يقرض الشعر وتلك سجيته وجِبِلّته لحكمة ربانية مقدورة . وهذه حقيقة لا ينكرها إلا الجاحدون المعاندون .

أما قولهم : إنه مجنون فذلك قدحٌ مُسْتهجَن ، وطعن مقبوح مشين ، وافتراء ظالم وسقيم على خير الأولين والآخرين الذي شهدت له الدنيا بالصدق والأمانة وبالغ الذكاء والفطانة . شهد له المشركون من خصومه ومبغضيه إبانَ جاهليتهم بأنه الصادق الأمين ؛ إذ لم يجرِّبوا عليه الكذب ولم يجدوا فيه أيَّما ذميمة من الذُّموم وسوء الخصال . وكذلك قد شهد له المتعلمون والدارسون والمصلحون من مختلف الأمم في كل الأزمنة ، وفي زماننا هذا أنه الإنسان المميَّزُ الفذ بما أوتيه من كمال العبقرية وروعة الخلق وجمال الطبع والفطرة وسلامة الخصال والسيرة .

أما افتراء الظالمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجِنة فذلكم هذيان فاضح ومستقبح لا يجترئ على التلعثم به إلا كل مأفون مضلَّل قد أكل قلبه الحسد والضِّغْن وفرط التعصب والكراهية لنبي الإنسانية ورسول العالمين عليه الصلاة والسلام .

على أن ثمة تخليطا في افتراء المشركين وكذبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذْ يرمونه بالشعر والجنون في آن . فكيف يتيسر للشاعر أن يكون مجنونا . وهل يصدق من ربه مِسْكةٌ من عقل أن المجنون يقرضُ شعرا ؟ ؟ فإنه معلوم أن الشعر في ذاته براعة وإبداع من النظْم الموزون المقفى ، وهو ضرب من ضروب التفنّن في الكلام المرصوف المنتظم . فأنّى للمجنون أن يقرض الشعر ؟ ؟ إنَّ ذلكم إيغال من المشركين الظالمين ، في الحماقة والسفه والمكابرة .