التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ} (39)

جمع الله في هذا القَسَم كل ما الشأن أن يُقسَم به من الأمور العظيمة من صفات الله تعالى ومن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته إذ يجمع ذلك كله الصِلَتان { بما تبصرون وما لا تبصرون } ، فمما يبصرون : الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسماوات والكواكب ، وما لا يبصرون : الأرواح والملائكة وأمور الآخرة .

و { لا أقسم } صيغة تحقيققِ قَسَم ، وأصلها أنها امتناع من القسَم امتناع تحرّج من أن يحلف بالمُقْسممِ به خشية الحنث ، فشاع استعمال ذلك في كل قسم يراد تحقيقه ، واعتبر حرف ( لا ) كالمزيد كما تقدم عند قوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } في سورة الواقعة ( 75 ) ، ومن المفسرين من جعل حرف ( لا ) في هذا القسم إبطالاً لكلام سابق وأنّ فعل أُقْسِم } بعدها مستأنف ، ونُقض هذا النوع بوقوع مثله في أوائل السور مثل : { لا أقسم بيوم القيامة } [ القيامة : 1 ] و { لا أقسم بهذا البلد } [ البلد : 1 ] .