المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فِي رَقّٖ مَّنشُورٖ} (3)

وقال آخرون : بل أقسم الله تعالى بالقرآن ، فإنه قد كان علم أنه يتخلد { في رق منثور } .

وقال آخرون : أقسم بالكتب القديمة المنزلة : الإنجيل والتوراة والزبور . وقال الفراء فيما حكى الرماني : أقسم بالصحف التي تعطى وتؤخذ يوم القيامة بالأيمان والشمائل . وقال قوم : أقسم بالكتاب الذي فيه أعمال الخلق ، وهو الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .

وكتب بعض الناس ، «مصطور » بالصاد . والقصد بذلك تشابه النطق بالحروف ، والجمهور على السين . والرق : الورق المعدة للكتب وهي مرققة فلذلك سميت رقاً ، وقد غلب الاستعمال على هذا الذي هو من جلود الحيوان . والمنثور : خلاف المطوي ، وقد يحتمل أن يكون نشره بمعنى بشره وترقيقه وصنعته . وقرأ أبو السمال : «في رِق » بكسر الراء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فِي رَقّٖ مَّنشُورٖ} (3)

والرَّق ( بفتح الراء بعدها قاف مشددة ) الصحيفة تُتّخذ من جلد مرقق أبيض ليكتب عليه . وقد جمعها المتلمِس في قوله :

فكأنما هِي مِن تقادُممِ عهدها *** رَقّ أُتيح كتابُها مسطور

والمنشور : المبسوط غير المطوي قال يزيد بن الطثرية :

صحائف عندي للعتاب طويتُها *** ستنشر يوماً مَا والعتاب يطول

أي : أقسم بحال نشره لقراءته وهي أشرف أحواله لأنها حالة حصول الاهتداء به للقارىء والسامع .

وكان اليهود يكتبون التوراة في رقوق ملصق بعضها ببعض أو مخيط بعضها ببعض ، فتصير قطعة واحدة ويطوونها طيّاً اسطوانياً لتحفظ فإذا أرادوا قراءتها نشروا مطويها ، ومنه ما في حديث الرجم « فنشروا التوراة » . وليس المراد بكتاب مسطور القرآن لأن القرآن لم يكن يومئذٍ مكتوباً سطوراً ولا هو مكتوباً في رَق .

ومناسبة القسم بالتوراة أنها الكتاب الموجود الذي فيه ذكر الجزاء وإبطال الشرك وللإِشارة إلى أن القرآن الذي أنكروا أنه من عند الله ليس بدعاً فقد نزلت قبله التوراة وذلك لأن المقْسَم عليه وقوع العذاب بهم وإنما هو جزاء على تكذيبهم القرآن ومن جاء به بدليل قوله بعد ذكر العذاب

{ فويل يومئذٍ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون } [ الطور : 11 ، 12 ] .

والقسم بالتوراة يقتضي أن التوراة يومئذٍ لم يكن فيها تبديل لما كتبه موسى : فإمّا أن يكون تأويل ذلك على قول ابن عباس في تفسير معنى قوله تعالى : { يحرفون الكلم عن مواضعه } [ المائدة : 13 ] أنه تحريف بسوء فهم وليس تبديلاً لألفاظ التوراة ، وإمّا أن يكون تأويله أن التحريف وقع بعد نزول هذه السورة حين ظهرت الدعوة المحمدية وجَبَهت اليهودَ دلالةُ مواضع من التوراة على صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو يكون تأويله بأن القسم بما فيه من الوحي الصحيح .